وصل خلال ما يزيد عن شهر بقليل أكثر من نصف مليون لاجئ روهنغا إلى بنغلاديش، في أعقاب موجةٍ من العنف المستهدف في ولاية راخين المجاورة في ميانمار. وانتقل معظم اللاجئين الوافدين حديثًا إلى مستوطنات مؤقتة مع غياب فرص الحصول على مأوى لائق وطعام ومياه نظيفة أو مراحيض.
وعاد لتوّه الخبير لدى أطبّاء بلا حدود في مجال المياه والصرف الصحي بول جاوور من بعثة في جنوب شرق بنغلاديش حيث يُخبرنا عن الأوضاع المزرية التي يواجهها اللاجئون وعن الحلول التي تضعها منظمة أطباء بلا حدود لتزويدهم بكميات كافية من المياه النظيفة في مستوطنة أونتشيبارانغ.
بول، عدت لتوّك من بنغلاديش، ماذا يمكنك أن تُخبرنا عن الوضع هناك؟
لم أرَ هذا العدد الكبير من الأشخاص إلا نادرًا، حوالى مئات الآلاف، يعيشون في مستوطنات مؤقتة بعد أن تقطعت بهم السبل في منطقة بحجم مدينة أوروبية صغيرة، مع فرص ضئيلة للغاية بالوصول إلى الخدمات الأساسيّة. يجري العمل على تقديم المساعدة، ولكن احتياجات اللاجئين، وبالأخص الحاجة إلى مياه الشرب والمياه النظيفة، ما زالت بالغة الضخامة.
في أونتشيبارانغ، إحدى المستوطنات حيث توفّر منظمة أطباء بلا حدود الرعاية الصحية، إمكانية الحصول على المياه شبه منعدمة. يشرب الناس الذين يسكنون هناك والبالغ عدد 33,000 شخصٍ من المياه السطحية غير المعالجة فقط والتي يجمعونها من حقول الأرز والبرك أو الآبار الضحلة المحفورة باليد. ومعظم المراحيض النادرة المتوفرة فائضة، ولذلك يقضي الأفراد حاجتهم في العراء، مما يزيد من نسبة تلوّث المياه.
تتمتّع أونتشيبارانغ بسمات مختلفة من منظور جيولوجي، فهي عبارة عن أرض منبسطة تضمّ التلال في منتصف المستوطنة. ويتدفق نهر صغير عبرها، ولكن وحده عدد قليل من اللاجئين المتواجدين على جانب واحد من التلال يتمتعون بسهولة الوصول إلى هذا النهر. وتتألف الأرض من طبقات طينية كتيمة وتُضحي موحلة للغاية ورطبة عندما تمطر. أمّا طبقات المياه الجوفية فهي غير عميقة وإن حفر المرء كثيرًا، يصل إلى المياه المالحة بسبب قرب الموقع من البحر.
نظرًا إلى الاحتياجات الهائلة للمياه النظيفة، ماذا استطاعت أطبّاء بلا حدود إنجازه حتى الآن في أونتشيبارانغ خلال الأسابيع الأولى هذه؟
تتجسّد أولويتنا، كما هو الحال دومًا في هذه الحالات، في ضمان توفّر المياه النظيفة ومياه الشرب في العيادة التي أنشأناها في المستوطنة. يجب أن نضمن ألّا تشكّل المنشأة الصحية مكانًا يُصاب فيه الناس بالأمراض، وبالأخص الإسهال. يجب أن تتمكن الكوادر الصحيّة من تنظيف أيديهم ومعداتهم؛ ويجب أن يتسنى للمرضى تناول أدويتهم بأكواب من المياه النظيفة.
نجحنا أيضًا بالانتفاع من مصدر المياه الرئيسي، أي النهر. نظّمت فرقنا حملة لتوعية السكان بشأن عدم تلويث النهر وقامت بتركيب أنبوب طويل يؤدّي إلى الخزانات الضخمة القادرة على تأمين 30,000 لترٍ من المياه المكلورة والنظيفة يوميًا. وهذه الكمية هي فعلًا دون المستوى لهذا العدد الكبير من اللاجئين، ولكننا نعمل على رفع القدرة المائية بينما نتحدّث هنا الآن، وبالأخص للأشخاص الذين استقروا في مواقع بعيدة عن النهر.
أمّا في مواقع أخرى، فسنلجأ إلى حفر "الآبار" التقليدية في الأرض، ولكننا سنجعلها أكبر حجمًا وأكثر أمانًا. باشرنا بحفر هكذا "آبار" ارتشاحية يبلغ قطرها حوالى المترَين وعمقها خمسة أمتار، ويكمن هدفنا في إيصال العدد إلى 15 أو 20 عمّا قريب. وستُزوَّد هذه الأخيرة بمنصات إسمنتية لتجنب دخول الأوساخ إليها، وجدار صغير لوقف مياه الفياضانات، وطبقة تبطين داخلية لمنع المياه السطحية من تلويثها. هذا وستكون المياه مكلورة بالطبع.
وتكمن الصعوبة الرئيسية المترافقة مع هذا النوع من الأسطح وعدد السكان الكبير الذي يجب تلبية احتياجاته، في اختيار مواقع الآبار. ألقينا نظرةً على السجلات الطبية الخاصة بالعيادة وحدّدنا المواقع التي تُرافق فيها الكثير من حالات الإسهال فرق التوعية الصحية التابعة لنا.
كما وستتلقى هذه العائلات الأكثر حاجةً والأكثر عرضةً للخطر والتي تعيش بالقرب من الآبار المستقبلية، أوعية التنك ومجموعة من معدات التنظيف والتطهير. ومن المهم أيضًا أن يشارك المجتمع المحلي بالكامل؛ فسيساعد فريق التوعية الصحية التابع لأطباء بلا حدود ويدّرب أفراد المجتمع حول كيفية كلورة المياه والحفاظ على الأنظمة المائية.
كيف ترى وضع اللاجئين في أونتشيبارانغ يتطوّر في الأشهر المقبلة؟
مع اقتراب موعد موسم الجفاف، ووصول المزيد من اللاجئين كل يوم، فإن الحصول على المياه سيستمرّ بتشكيل مصدر قلق رئيسي في المستوطنات كافة. وسيجفّ النهر المتدفق عبر المستوطنة في أونتشيبارانغ، كما يحصل كل عام، في غضون شهرَين أو ثلاثة، وستوفّر الآبار كميات أقلّ تدريجيًا من المياه في اليوم.
من المهمّ أن تقوم أطباء بلا حدود وغيرها من الجهات الفاعلة باستباق الأحداث وإنشاء أنظمة مائية فعالة خلال موسم الجفاف. ومن الأمور التي نخطّط لتنفيذها هي إنشاء أربع "برك سباحة" في مستوطنة أونتشيبارانغ. ونُطلق عليها هذا الاسم ليس لأن الناس سيتمكنون من السباحة فيها، إنّما لإعطاء فكرة عن حجمها. يبلغ طولها وعرضها 7×7 وعمقها 4 أمتار وتتّسع لـ200 متر مكعب من المياه.
وتجمع هذه البرك كل من مياه الأمطار والمياه الجوفية. وهذه الفكرة ليست جديدة أو غير مألوفة، بما أن هذه الخزانات متوفرة في كل مسجد وفي بعض المنازل الخاصة في المنطقة. كما سبق وأنشأت أطباء بلا حدود هكذا أنظمة في حالات طوارئ أخرى، في ميانمار مثلًا، بعد إعصار نرجس الذي دمّر منطقة دلتا إيراوادي في مايو/أيّار 2008.