يكتب الرئيس الدولي لمنظمة أطباء بلا حدود الدكتور كريستوس كريستو إلى جامعة الدول العربية ومجلس التعاون الإسلامي، ويطلب منهما استخدام نفوذهما والمساعدة في وقف إراقة الدماء في غزة.
أكتب إليكم وإلى جميع قادة العالم بالنيابة عن منظمة أطباء بلا حدود لأناشدكم وجامعة الدول العربية ومنظمة التعاون الإسلامي بذل كل ما في وسعكم لتحقيق وقف فوري ومستدام لإطلاق النار في قطاع غزة حسب ما أعلنتم في الرياض مؤخرًا. على الحكومة الإسرائيلية أن توقف الهجمات الدموية على المدنيين الفلسطينيين وأن تسمح بدخول المساعدات الإنسانية إلى غزة.
وقد كانت الهدنة التي استمرت لسبعة أيام، بعد أسابيع من العنف المستمر، بمثابة فترة راحة مرحّب بها لشعب غزة. ومع ذلك، لم تكن هذه الأيام السبعة كافية لتنظيم عملية تسليم المساعدات الكافية والإمدادات الأساسية لتلبية الاحتياجات التي لا حصر لها. والآن بعد أن انتهت الهدنة، هناك عودة إلى الموت والدمار.
لقد شعرتُ أنا وزملائي، مثل كثيرين في مختلف أنحاء العالم، بالحزن والصدمة إزاء هجوم حماس على المدنيين الإسرائيليين. والآن، وبعد 58 يومًا، تعجز الكلمات عن وصف الرعب المطلق الذي تُلحِقه إسرائيل بالمدنيين الفلسطينيين إذ بها تشنّ حربًا متواصلة وعشوائية في غزة ليراها العالم أجمع.
لقد أظهرت إسرائيل تجاهلها الصارخ والكامل لحماية المرافق الطبية في غزة. نحن نشهد المستشفيات تتحوّل إلى مشارح، بل إلى أنقاض. تتعرّض المستشفيات والمرافق الطبية لضربات بالقذائف والدبابات وإطلاق للنار، كما يتمّ تطويقها ومداهمتها، ممّا أسفر عن مقتل المرضى والطاقم الطبي. وقد وثّقت منظمة الصحة العالمية 203 هجوم على مرافق الرعاية الصحية، أدى إلى 22 حالة وفاة و59 إصابة بين العاملين الصحيين على الأقل أثناء الخدمة. إنّ أفراد الطاقم الطبي، بما في ذلك طاقمنا، مرهقون تمامًا وباتوا يائسين للغاية. فقد اضطروا إلى بتر أطراف أطفال يعانون من حروق شديدة من دون تخدير أو أدوات جراحية معقّمة. إنّ الناس يموتون من الألم. وبسبب عمليات الإخلاء القسري التي قام بها الجنود الإسرائيليون، اضطرّ بعض الأطباء إلى ترك المرضى عقب مواجهة خيار لا يمكن تصوّره: حياتهم مقابل حياة مرضاهم. ولا يوجد أيّ مبرر معقول لمثل هذه الهجمات على مرافق الرعاية الصحية.
تعجز الكلمات عن وصف الرعب المطلق الذي تُلحِقه إسرائيل بالمدنيين الفلسطينيين إذ بها تشنّ حربًا متواصلة وعشوائية في غزة ليراها العالم أجمع.د. كريستوس كريستو، الرئيس الدولي لمنظمة أطباء بلا حدود
أرسلت منظمة أطباء بلا حدود مؤخرًا فريق طوارئ دولي إلى غزة لمساعدة زملائنا الفلسطينيين عبر دعم القدرات الطبية والجراحية في المرافق الصحية. لكنه، وللأسف، يواجه محدوديةً هائلة في قدرته على تنفيذ أنشطته بسبب حجم الضحايا وتدمير البنية التحتية ونقص الإمدادات الأساسية مثل الوقود واستمرار العنف غير المقبول. نريد، وينبغي لنا، أن نكون قادرين على فعل المزيد. وهذا أمر مستحيل اليوم بسبب الحصار والحرب الشاملة التي لا هوادة فيها التي تشنها إسرائيل.
قُتل أربعة من زملائنا، وفقد العديد من زملائنا أفرادًا من عائلاتهم، كما أصيب العديد من الزملاء الآخرين. وأفادت منظمات إنسانية زميلة بمقتل العشرات من طواقم عملها.
إنّ غزة، الخاضعة للحصار الذي تفرضه إسرائيل منذ عام 2007، هي بالفعل أكبر سجن مفتوح في العالم. فمنذ بداية الحملة العسكرية في 7 أكتوبر/تشرين الأول، فرضت الحكومة الإسرائيلية "حصاراً كاملاً" على غزة، ومنعت دخول المياه والغذاء والوقود والإمدادات الطبية إلى 2.3 مليون شخص محاصر في القطاع. إضافة إلى ذلك، فُرضت قيود صارمة على وصول المساعدات الإنسانية وتمّ منع المساعدات التي تشتدّ الحاجة إليها من الوصول إلى أي شخص يحتاج إليها. إنّ إخضاع شعب بأكمله للعقاب الجماعي يُعدّ جريمة حرب بموجب القانون الإنساني الدولي.
لا زلنا نشهد المبدأ الأساسي للإنسانية يتعرّض للتحقير علنًا.
لا زلنا نشهد المبدأ الأساسي للإنسانية يتعرّض للتحقير علنًا.د. كريستوس كريستو، الرئيس الدولي لمنظمة أطباء بلا حدود
وبالرغم من مزاعم إسرائيل، فإنّ هجومها الشامل لا يقتصر على حماس فحسب، إذ تشنّ عدوانها على غزة بأكملها وأهلها، مهما كان الثمن. وحتى الحروب لها قواعد، لكن من الواضح أنّ إسرائيل تُبَدّي استراتيجيتها العسكرية القائمة على عدم التناسب. وفي الأيام الأولى لهذا الهجوم غير المحتمَل، أعلن المتحدث باسم الجيش الإسرائيلي أنّ "التركيز" في هذا الهجوم الانتقامي المفرط والصارخ كان على "إلحاق الضرر وليس الدقة". ولكن يصحّ القول إنّ أفعال إسرائيل كانت أبلغ من أقوالها.
إنّ شمال غزة يُمحى من الخريطة. لقد انهار النظام الصحي. ووفقًا للسلطات الصحية في غزة، قُتل أكثر من 15,500 شخص، نصفهم من الأطفال. وهذا يساوي شخصًا واحدًا من بين كل 200 شخص في غزة. وأصيب أيضًا عشرات الآلاف. وتقوم العائلات بانتشال أحبائها القتلى من تحت الأنقاض. ونزح ما لا يقل عن 1.8 مليون شخص، بحسب الأمم المتحدة. وقد أُمر هؤلاء المدنيون قسرًا بالتحرّك جنوبًا مرارًا وتكرارًا، لكن إسرائيل تقصف القطاع بأكمله. وهكذا فلا يوجد أي مكان آمن في غزة.
أفاد فريق الطوارئ التابع لنا في خان يونس جنوب قطاع غزة عن تدفق أعداد كبيرة من الجرحى بعد القصف المكثف والغارات الجوية. ففي يوم السبت الماضي، وصل 60 قتيلًا و213 جريحًا إلى غرفة الطوارئ في مستشفى الأقصى. فهذه الغارات تطال مخيمات اللاجئين المكتظّة حيث يعيش الناس بالكاد على المساعدات الإنسانية الشحيحة المتاحة. وإذا لم يلقوا حتفهم بوابل من القنابل، فإنّ الأمراض المعدية والمجاعة ستقضي عليهم لا محالة.
أُمر هؤلاء المدنيون قسرًا بالتحرّك جنوبًا مرارًا وتكرارًا، لكن إسرائيل تقصف القطاع بأكمله. وهكذا فلا يوجد أي مكان آمن في غزة.د. كريستوس كريستو، الرئيس الدولي لمنظمة أطباء بلا حدود
إنّ وقف إطلاق النار المستمرّ هو السبيل الوحيد للحدّ من مقتل آلاف آخرين من المدنيين والسماح بتوسيع نطاق عملية إيصال المساعدات الإنسانية التي تشتد الحاجة إليها. وتدعو أطباء بلا حدود إلى إنشاء آلية مستقلة للإشراف على التدفّق الكافي للإمدادات الإنسانية إلى غزة. علاوة على ذلك، ندعو إلى إنشاء طرق إجلاء طبي آمنة وطويلة الأمد إلى بلدان ثالثة للأشخاص الذين يعانون من إصابات خطيرة. فعلى المدى القصير، قد يشكّل إجلاء هؤلاء المرضى إلى مصر عبر معبر رفح خيارًا، كما تبدي منظمة أطباء بلا حدود استعدادها للمساهمة في تعزيز القدرات الطبية اللازمة.
يجب على الهجمات العشوائية والمتواصلة أن تتوقف الآن. ويجب على عمليات التهجير القسري أن تتوقف الآن.
يجب على الاعتداءات على المستشفيات والطواقم الطبية أن تتوقف الآن. ويجب على الحصار والقيود المفروضة على المساعدات أن تتوقف الآن.
يجب أن يتوقف كلّ هذا الآن.
إنّنا ندعوكم وجميع قادة العالم إلى أن تكونوا جزءًا من الحل وأن تبذلوا كل ما في وسعكم لمنع المزيد من المذابح.
"لقد فعلنا ما في وسعنا. تذكرونا". عندما تصمت البنادق ويتكشّف الحجم الحقيقي للدمار، هل ستتمكنون من قول الشيء نفسه؟د. كريستوس كريستو، الرئيس الدولي لمنظمة أطباء بلا حدود
تُبلغنا فرقنا الطبية في الضفة الغربية أيضًا عن هجمات على مرافق الرعاية الصحية مع تصاعد أعمال العنف والاضطهاد والمضايقات، حيث قُتل نحو 240 فلسطينيًا منذ 7 أكتوبر/تشرين الأوّل، إمّا على يد القوات الإسرائيلية أو المستوطنين الإسرائليين، وفقًا للأمم المتحدة.
وحتى الآن، كان زعماء العالم، بما في ذلك الجامعة العربية ومجلس التعاون الإسلامي، متواطئين في أعمال العنف، من خلال عدم بذل أي جهد لتهدئة الوضع، باستثناء تقديم كلمات فارغة، والفشل في وقف إراقة الدماء والفظائع التي لا هوادة فيها التي تُرتكب في غزة.
لقد حان الوقت لاختيار ما إذا كنتم ستواصلون القيام بما لا يزيد عن مجرد إطلاق دعوات فارغة لـ "احترام حماية المدنيين" أو استخدام نفوذكم الدبلوماسي لإقناع دولة إسرائيل بأن حكم الإعدام الذي أصدرته على شعب غزة هو أمر غير إنساني ولا يمكن الدفاع عنه.
نحن نحثكم على اتخاذ الإجراءات اللازمة لدعم إنسانيتنا المشتركة.
"لقد فعلنا ما في وسعنا. تذكرونا". كلماتٌ كتبها زميلنا الدكتور محمد أبو نجيلة، الذي قُتل جراء ضربة على أحد مستشفيات غزة، على السبورة التي تُستخدم عادةً للتخطيط للعمليات الجراحية. عندما تصمت البنادق ويتكشّف الحجم الحقيقي للدمار، هل ستتمكنون من قول الشيء نفسه؟