- هنالك حاجة ملحة لتوسيع نطاق المساعدة الإنسانية للاجئين والمهاجرين في ليبيا وجعلها أكثر شفافية.
- يجب أن يتوقف الحجز التعسفي للمهاجرين واللاجئين بشكل فوري. ويجب إنشاء ملاجئ تؤمن لهم الأمان والمساعدة على وجه السرعة والضرورة، ريثما يتم ترتيب إجلائهم.
- لا يمكن لذلك أن ينجح إلا إذا توقفت أوروبا عن إعادة أولئك الذين يحاولون الفرار عبر البحر وإذا أمَّنت الدول الآمنة المزيد من الأماكن لاستقبال الناجين.
في نهاية عام 2017، انتشرت حول العالم صور مفزعة لمهاجرين يباعون في ليبيا كما لو أنهم مجرد سلع. وقد أثار هذا موجة غضب عالمية ودفع الكثير من القادة في أوروبا وإفريقيا وليبيا للتعهد باتخاذ إجراءات لحماية اللاجئين والمهاجرين من التعرض للإساءة والظروف المهينة.
إلا أنه وبعد مرور عامين على تلك الحادثة لم يتغير شيء فعلياً. وقد شهدت فرق أطباء بلا حدود من خلال عملها في مساعدة المهاجرين واللاجئين في ليبيا منذ عام 2017 على الوضع البائس لآلاف الناس الذين يعانون الأمرَّين في مراكز الاحتجاز أو يُتركون ليتدبروا أمورهم بأنفسهم خارجها، في قبضة دورة لا تنتهي من العنف.
الجزء الأول – إيقاف تدفق اللاجئين إلى أوروبا
على طول الطرق التي تربط بين المدن الليبية، ينتظر الكثير من اللاجئين كل يوم لفرصة الحصول على عمل ولو لبضع ساعات. ويأمل هؤلاء ’العمال المياومون‘ أن يراهم أحد ما بحاجة إلى عامل ليستأجره. والعملية بسيطة: تتوقف السيارات على جانب الطريق لتستأجر العمالة.
مهاجرون آخرون يعملون بشكل منتظم لرب العمل ذاته وأحياناً يعيشون في مكان العمل. قد لا يضمنون الحصول على أجر أو راتب، كما أن الرواتب تتفاوت بشكل كبير تبعاً للوضع؛ في مصراتة، قد يكسب المهاجرون حتى 2,000 دينار ليبي شهرياً. وهو مبلغ مايزال مغرياً للكثيرين إذا ما قارنوه بالإمكانات الاقتصادية في بلدانهم الأصلية.
1,000,000
1,000,
وعلى مدى عقود، كانت ليبيا، البلد الغني بالنفط مقصداً للمهاجرين من جارتها النيجر وغيرها من دول إفريقيا جنوب الصحراءن بحثاً عن فرص للعمل في البناء والزراعة وقطاع الخدمات. وتقدر المنظمة الدولية للهجرة أن هنالك ما بين 700 ألف إلى مليون مهاجر في ليبيا.
منذ الانتفاضة الشعبية في عام 2011، وسقوط القذافي والحرب الأهلية التي اندلعت بعدها، أصبح وضع المهاجرين العاملين في ليبيا أكثر صعوبة، فالبلد يعاني من نزاع مسلح، حيث تتصارع حكومات وميليشيات متنافسة للسيطرة على البلد، في ظل انهيار للخدمات العامة. معظم المهاجرين لا يملكون أذون إقامة أو غيرها من المستندات الثبوتية، ما يضعهم عرضة لخطر الاعتقال والحجز التعسفي. وسواء كانوا يعتبرون ليبيا محطة في رحلتهم أو يعتبرونها وجهتهم النهائية، فجميعهم يصبحون أهدافاً على دروب الهجرة التي باتت أكثر خطورة وكلفة وتشظياً.
عندما كان العقيد القذافي في السلطة، كان الاتحاد الأوروبي وإيطاليا يعقدون صفقات مثيرة للجدل مع ليبيا، حيث يقدمون التمويل مقابل التعهد بإبقاء المهاجرين واللاجئين بعيداً عن أوروبا. وقد حذر الزعيم الليبي أثناء زيارة إلى إيطاليا في 2010 من أن أوروبا قد "تتحول إلى إفريقيا" ما لم يدفع الاتحاد الأوروبي لليبيا 5 مليارات يورو في العام لإغلاق ساحلها المتوسطي.
وقد وفرت الفوضى التي حلت بعد أن بدأت الحرب الأهلية الليبية الثانية في 2014 أرضية خصبة لنمو اقتصاد أسود، قائم على نهب الموارد والأنشطة غير المشروعة كتهريب النفط والأسلحة والبشر. وتحولت ليبيا إلى بوابة رئيسية إلى أوروبا لأولئك الفارين من الاضطهاد والنزاع والفقر في المنطقة.
ولإيقاف وصول أناس جدد، وضعت الدول الأوروبية سياسات احتواء وصد قاسية، حيث ألغوا عمليات البحث والإنقاذ في البحر، ومولوا خفر السواحل الليبي لاعتراض اللاجئين والمهاجرين في المياه الدولية وإعادتهم قسراً إلى ليبيا، منتهكين بذلك القانون الدولي، وعقدوا صفقات مع جهات عديدة ذات صلة بشبكات التهريب والإجرام. وبالنتيجة، استمر نمو وازدهار تهريب البشر وخطف واحتجاز وابتزاز المهاجرين واللاجئين في ليبيا، بينما ازدادت احتمالات موت الناس أثناء محاولتهم عبور ليبيا إلى أوروبا.
وقد وُثِّق هذا الوضع وأدين من قبل أطباء بلا حدود ومن قبل مراقبين كالأمم المتحدة ومنظمات أخرى.
الجزء الثاني – أثر السي إن إن – أين نحن بعد عامين؟
في نوفمبر/تشرين الثاني 2017، انحدر مستوى العنف ضد اللاجئين والمهاجرين في ليبيا الذين باتوا يُعامَلون كما لو كانوا مجرد سلع، وكشف عن ذلك تقرير أعدته السي إن إن. وقد أثار هذا موجة غضب عالمية، حيث صُدم آلاف الناس في إفريقيا وأوروبا وغيرهما من فظائع تهريب البشر ومستوى التعذيب والاستعباد في ليبيا.
وأدان الكثير من القادة العالميين، بمن فيهم صناع السياسات في أوروبا، الوضع في ليبيا. وقد أفادت حكومة الوفاق الوطني في ليبيا – وهي السلطة المعترف بها من الأمم المتحدة في البلد – أنها ستباشر تحقيقاً رسمياً للنظر في مزاعم السي إن إن، التي وصفها وزير في حكومة الوفاق الوطني بأنها "غير إنسانية ومخالفة لثقافة وإرث الشعب الليبي".
وقد شكل الاتحاد الأوروبي مع الاتحاد الإفريقي والأمم المتحدة فريق عمل لتسريع العودة الطوعية بمساعدة المنظمة الدولية للهجرة، ولإجراء إجلاء إنساني للاجئين من قبل مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين. وقد بدأت المفوضية بإجلاء اللاجئين إلى مركز عبور في نيامي بالنيجر في ديسمبر/كانون الأول 2017. وهناك يمكنهم التقدم بطلب لجوء رسمي وانتظار الحلول التي تقدمها المفوضية، كإعادة التوطين في بلد ثالث. كما زاد التمويل المقدم لمفوضية الأمم المتحدة والمنظمة الدولية للهجرة، الشريكان الرئيسيان للاتحاد الأوروبي، لتقديم المساعدة والحماية للاجئين والمهاجرين في ليبيا.
إلا أنه وبعد مرور عامين على موجة الغضب العالمية، لم يعد العالم ينظر لآلاف الناس هؤلاء العالقين في ليبيا، ويخضعون لعنف مروع دون أمل بالحرية. ويستمر الاتجار باللاجئين والمهاجرين كما لو أنهم مجرد سلع، من يد مهرِّب إلى آخر.
إن أموال دافعي الضرائب الأوروبيين تُستَخدم لاحتواء الناس في ظروف غير إنسانية لمنعهم من ممارسة حقهم الأساسي في أوروبا، أي طلب اللجوء. يُحتَجز هؤلاء لمدد غير محددة في سجون قذرة ودون مراجعة قضائية.
وهؤلاء القادرون على العودة إلى بلدانهم الأصلية يفعلون ذلك بمساعدة المنظمة الدولية للهجرة. وكان هذا حال نحو 48 ألف مهاجر منذ عام 2017، أما أولئك الذين لا يستطيعون العودة إلى بلدانهم الأصلية يجدون أنفسهم عالقين بين براثن الخطر.
تعمل حالياً آلية إجلاء اللاجئين إلى بلدان العبور بسرعة شديدة البطء بسبب الإجراءات المطولة التي تتبع معايير مشددة والنقص الإجمالي في الأماكن المقدمة من دول آمنة. بالتالي تتحول كل مرحلة من مراحل الرحلة إلى مأزق سرعان ما ينحشر بالناجين، بينما تبقى أولوية الدول الأوروبية استقبال أقل عدد ممكن من الناس.
أجلت مفوضية الأمم المتحدة نحو 3 آلاف لاجئ من ليبيا إلى مركز عبور في نيامي منذ أواخر عام 2017. كما تم إنشاء آلية مماثلة في رومانيا، وأخرى في رواندا بدأت في سبتمبر/أيلول 2019. وفيما عدا إيطاليا، لم تنظم أية دولة رحلات إجلاء إنساني جوية مباشرة من ليبيا للاجئين.
بين يناير/كانون الثاني ونوفمبر/تشرين الثاني 2019:
2,142
2,142
9,000
9,
وبوجود قدرة توطين في بلدان ثالثة لنحو 2000 شخص في العام تقريباً، تعطي مفوضية الأمم المتحدة حالياً أولوية الإجلاء للنساء والعائلات والأطفال الصغار. أما إذا كان الشخص شاباً وأعزباً وفرَّ من بلده بسبب الاضطهاد السياسي ومحتجز الآن في ليبيا، فتكاد تكون فرصه للاستفادة من هذه الآلية معدومة.
وعلى النقيض من نظام الإجلاء المحدود هذا، فإن منظومة الإعادة القسرية إلى ليبيا المدعومة من الدول الأوروبية تعمل بكامل طاقتها. فبين يناير/كانون الثاني ونوفمبر/تشرين الثاني 2019، تم إجلاء 2,142 لاجئ خارج ليبيا من قبل مفوضية الأمم المتحدة، لكن نحو 9,000 شخص أعيدوا إليها قسراً بعد أن أُمسكوا وهم يحاولون الفرار بحراً.
لم يؤثر حتى التدهور الحاد للوضع في ليبيا، إثر التصعيد الأخير في النزاع المسلح بين حكومة الوفاق الوطني والجيش الوطني الليبي في أبريل/نيسان 2019، في السياسة الأوروبية المتمثلة بالإعادة القسرية والاحتواء في ليبيا.
قُتل في ليبيا أكثر من 200 مدني منذ شهر أبريل/نيسان. ويستمر القصف العشوائي وإطلاق النار والغارات العشوائية بضرب طرابلس ومحيطها بشكل ممنهج. ووفق بعثة الأمم المتحدة في ليبيا (UNSMIL) فقد حصلت منذ شهر أبريل/نيسان أكثر من ألف هجمة بطائرات مسيرة معظمها دعماً لقوات الجيش الليبي الوطني.
بتاريخ 3 يوليو/تموز قتلت غارة جوية على مركز احتجاز تاجوراء في الضواحي الشرقية لطرابلس 53 شخصاً كانوا عالقين فيه وجرحت 130 آخرين. وكان يمكن تجنب هذه المأساة بالكامل، كما أنها حدثت بعد دعوات متكررة من أطباء بلا حدود لإجلاء اللاجئين والمهاجرين العالقين وسط النزاع على الفور.
ويوجد حالياً ما بين 3 آلاف إلى 5 آلاف مهاجر ولاجئ عالقين محتجزين في مراكز احتجاز ’رسمية‘، تتبع اسمياً لسلطة وزارة الداخلية الليبية التي مقرها طرابلس ووكالتها المسماة جهاز مكافحة الهجرة غير الشرعية. وغالبية هؤلاء مسجلين لدى مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين وهم طالبو لجوء.
كما أن هناك عدد غير معروف من الناس المحتجزين في أنحاء البلاد في سجون سرية ومستودعات يديرها المهربون وتجار البشر الذين يستخدمون التعذيب والإساءة لابتزاز المال منهم.
الجزء الثالث – ازدهار سوق تهريب البشر والتعذيب
وفي ظل غياب أي بديل آخر يضطر الناس المحتاجون للحماية الذين يسعون لطلب اللجوء في أوروبا للاعتماد على الشبكات الإجرامية لتنظيم عبورهم. وحيث يباع هؤلاء من وسيط إلى آخر فهم معرضون بشكل خاص لخطر العنف والاتجار على طول رحلتهم، لا سيما في ليبيا.
غادرت فاطمة بيتها في إريتريا في سن صغيرة جداً رفقة أمها وأختيها، بعد موت أفراد من أسرتها، ليستقروا في الخرطوم بالسودان. لكن أمها توفيت في السودان بعد مدة وجيزة، ووجدت فاطمة نفسها مجبرة على الزواج في سن الرابعة عشرة. وبعد سنوات قررت الذهاب إلى ليبيا لتحاول العبور إلى أوروبا لتدرس وتعيش في سلام.
ما إن يصلوا إلى ليبيا، يضطر المهاجرون واللاجئون لدفع المال لقاء كل مرحلة من مراحل الرحلة نحو الساحل. يعتقد البعض أنهم دفعوا مقابل الرحلة من أغاديس إلى طرابلس، لكنهم يجدون أنفسهم في مدن مثل سبها أو الشويرف أو بني وليد. ثم يُحتجزون حتى يدفعوا مبلغاً إضافياً من المال ليتم الإفراج عنهم أو ليتم نقلهم إلى الساحل ليحاولوا عبور البحر المتوسط. وهو نشاط مربح لدرجة أن قوافل المهاجرين تُهاجَم من قبل عصابات متنافسة ويُحتجز المسافرون ليدفعوا الفدية.
ورغم أن هذه الممارسات منتشرة بشكل واسع، يبدو أن بعض الجنسيات كالإريتريين يُستهدفون على نحو ممنهج أكثر من قبل الشبكات الإجرامية التي تبتز منهم ومن أقاربهم الفدى من خلال منظومة تحويل أموال تمر عبر عدة دول. إذ يُنظر إليهم على أنم قادرون على تأمين المال من خلال جالياتهم المغتربة في أوروبا وأمريكا الشمالية.
الظروف المعيشية في المستودعات وغيرها من الأبنية التي يحبس فيها المهربون المهاجرين واللاجئين مروعة. تجد في بعضها مئات الأشخاص محتجزين في مكان مظلم لأشهر غير قادرين على التحرك أو الأكل كما ينبغي ويتعرضون لأشنع أنواع الإساءة لابتزاز المزيد من المال منهم.
لا تستطيع أطباء بلا حدود دخول هذه السجون لكننا نعالج بعض من تمكنوا من الخروج منها بعد دفع فدية أو هرباً أو أطلق سراحهم من قبل محتجزيهم بعد أن فقدوا الأمل في الحصول على المزيد منهم. ونقوم في بني وليد برعاية الناجين من السجون السرية التي مازالت نشطة في المنطقة.
شاهدنا الأجساد المشوهة بالندوب والكسور وسمعنا قصص صب البلاستيك المذاب على الجلد، والضرب اليومي والتعذيب أثناء التحدث على الهاتف مع أقارب الضحايا لإقناعهم بالدفع. واستمرت هذه الأحداث بالوقوع على نطاق واسع في ليبيا في عام 2019.
تحكي أوضاعهم الطبية عن المحن التي مروا بها. الذهول وفقر الدم والصدمة التي لدى ضحايا التعذيب والعنف البالغ الذي تعرض له هؤلاء تحتاج أشهراً عديدة كي تشفى. في عام 2019 قدمت أطباء بلا حدود الرعاية لأكثر من 20 شخصاً في بني وليد كانوا في وضع حرج ونقلوا إلى مستشفيات في مصراتة وطرابلس. كما أجرت ما مجموعه 750 استشارة في الموقع.
يستحيل تقدير عدد الذين يموتون في الصحراء من جراء إطلاق النار أو الضرب أو الإصابات أو السل أو غيره من الأمراض التي تفتك بهم في مثل هذه الظروف.
الجزء الرابع – عالقون بين الانتظار وحطام السفن والاحتجاز
يجرِّم القانون الليبي دخول الأراضي الليبية أو الإقامة فيها أو الخروج منها بشكل غير قانوني ويعاقب على ذلك بالحبس والترحيل، بغض النظر عن احتمال كون الشخص بحاجة للحماية. يندر أن تقوم السلطات الليبية حالياً بالترحيل من مراكز الاحتجاز، لكن وردت تقارير عن حدوث ذلك أكثر من مرة في شرق البلاد.
فعلياً، يحتجز المهاجرون واللاجئون بدون محاكمة ولمدة غير محددة. أما فرصهم في الخروج من الحجز فتتمثل فيما يلي: العودة إلى بلدهم الأصلي بمساعدة المنظمة الدولية للهجرة، أو الإجلاء إلى بلد ثالث بمساعدة مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين، أو الهرب، أو رشوة حراس فاسدين لتأمين خروجهم، لبعض الجنسيات، أو إيجاد كفيل ليبي يساعد في الإفراج عنهم.
دوامة من المخاطر
حالما يصل أولئك الساعين للوصول إلى أوروبا إلى الساحل الليبي، يجدون أنفسهم عالقين في حلقة من الانتظار تتلوها محاولات خطرة لعبور البحر المتوسط وفترات احتجاز. ومع غياب السجلات الرسمية تصعب معرفة عدد المهاجرين واللاجئين المحتجزين في المراكز التابعة لسلطة وزارة الداخلية. تتراوح أعدادهم بشكل عام ما بين 3 آلاف و 6 آلاف باستثناء الأشهر الأخيرة من عام 2017 حيث كان 20 ألف شخص محشورين في ظروف لا يمكن وصفها إثر نقل آلاف الأشخاص من مستودعات المهربين في صبراتة إلى مراكز الاحتجاز في طرابلس.
6,000
6,
20,000
20,
تتفاوت الأوضاع من مركز احتجاز إلى آخر. بعضها تحسن من حيث توفير الماء والصرف الصحي الملائم، كما أن الاكتظاظ لم يعد يصل للمعدلات القياسية في 2017. لكن الظروف تبقى غير إنسانية وتواصل فرقنا رؤية إساءات متكررة وعنفاً.
في مركز احتجاز ظهر الجبل، الواقع بين مدينتي الزنتان ويفرن، مازال حوالي 500 شخص معظمهم من إريتريا والصومال محتجزين. أغلبهم عالقون في هذه المنطقة الجبلية جنوب طرابلس، بعد أن نُقلوا إلى هناك في سبتمبر/أيلول 2018 خلال مواجهات مسلحة في العاصمة. وإذ أصبحوا بعيدين عن خطر المعارك المباشر، باتوا منسيين من الجميع تقريباً.
عندما بدأت أطباء بلا حدود العمل هناك في مايو/أيار 2019، صُدمنا عندما عرفنا أن ما لا يقل عن 22 مهاجر ولاجئ لقوا حتفهم من جراء أمراض، أولها السل. كان يفترض بالمنظمة الدولية للهجرة ومفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين تقديم المساعدة، بما في ذلك الرعاية الطبية وخدمات الحماية، ومازال الوضع الطبي حتى اليوم مقلقاً.
قد لا ترى فرقنا العاملة في مركز الاحتجاز هذا إساءات شائعة الحدوث من قبل الحراس، والتي تكثر في مراكز أخرى، لكن الحجز المطول وغموض المصير يصبحان أصعب على المرضى كل يوم وفوق احتمالهم. وأكثر من مئة شخص من هؤلاء المحتجزين في مركز ظهر الجبل هم من الأطفال غير المصحوبين بذويهم.
يلخص مركز احتجاز سوق الخميس الواقع على البحر في مدينة الخمس، العنف وعدم وضوح الخطوط الفاصلة بين السلطات الرسمية والميليشيات والشبكات الإجرامية التي تلوث بعض مراكز الاحتجاز.
تعمل فرقنا هناك منذ عام 2017. في عام 2019 أصبحت الخمس نقطة النزول الرئيسية للذين يُعترضون في البحر من قبل خفر السواحل الليبي. كما أنها نقطة البداية للكثير من محاولات العبور، بما فيها تلك التي حدثت يوم 25 يوليو/تموز 2019 وانتهت بمأساة مات فيها 110 أشخاص. ساعد فريقنا 135 من الناجين الذين أعيدوا إلى الخمس. كانوا في حالة صدمة بعد قضاء عدة ساعات في الماء وهم يشاهدون غيرهم وأفراداً من أسرهم يغرقون أمام أعينهم.
في البداية يظهر وكأن أولئك المحتجزين في مركز سوق الخميس يحظون بظروف أفضل وقدرة أكثر على التواصل مع العالم الخارجي من باقي مراكز الاحتجاز. بعضهم هنا يذهب للعمل في الخارج ويستطيعون شراء الطعام من المدينة والتحدث مع أسرهم بالهاتف، وبعد أعمال الترميم الأخيرة التي قامت بها المنظمة الدولية للهجرة لم تعد أوضاع النظافة الصحية متردية كما كانت من قبل. توجد هناك حمامات (دوش) ويتوفر ماء الشرب النظيف. إلا أنه تحت السطح هناك قصص عن العنف والاعتداء الجنسي والاتجار بالبشر.
الجزء الخامس – يتدبرون أمورهم بأنفسهم في المدينة
تنطوي تجربة لوسي على رؤية مرعبة لما قد يحدث خارج مراكز الاحتجاز بالنسبة لامرأة مهاجرة أعيدت إلى ليبيا على يد خفر السواحل الليبي. في سبتمبر/أيلول 2019، حاولت للمرة الثانية عبور البحر المتوسط. وبعد عدة ساعات حلقت طائرة فوق قاربهم ثم جاءت مروحية وحوَّمت فوق رؤوسهم. بعدها بقليل اقترب منهم قارب لخفر السواحل الليبي. وأعيد جميع من كانوا على متن القارب إلى الخمس حيث التقت ماري بفرق أطباء بلا حدود التي تقدم الإسعاف الأولي والرعاية الطبية.
بعد الاتصال بمهربهم، فاوضت لوسي وشخصان آخران قوات الأمن المحلية لكي "يضعوهم جانباً". ومقابل 2700 دينار تمكنوا من تفادي نقلهم إلى مركز احتجاز. تم التحفظ عليهم في بيت قريب مدة أسبوع لحين دفع المال ثم نُقلوا إلى تاجوراء، شرق طرابلس.
في ديسمبر/كانون الأول 2018 وبعد أشهر من المفاوضات، أعلن فيليبو غراندي، رئيس مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين عن افتتاح مركز عبور في طرابلس، تحت اسم "مرفق التجمع والمغادرة":
"مرفق التجمع والمغادرة هو المركز الأول من نوعه في ليبيا والهدف منه إيواء اللاجئين الضعفاء في بيئة آمنة، ريثما يتم العمل على تأمين حل لوضعهم، كالتوطين أو لم الشمل مع الأسرة أو الإجلاء إلى مرافق الطوارئ في بلدان أخرى أو العودة إلى بلد طلبوا فيه اللجوء سابقاً أو العودة الطوعية إلى البلد الأم.
(..) يقدم المرفق حماية وأماناً فوريين للاجئين الضعفاء الذين يحتاجون إجلاءً فورياً، وهو بديل عن احتجاز مئات اللاجئين العالقين حالياً في ليبيا".
وبعد مرور عام على ذلك، تبدد أمل تأمين مكان يؤمن الحماية والأمان الفوريين للاجئين، ريثما يتم إيجاد حل خارج ليبيا. وبين يوليو/تموز ونوفمبر/تشرين الثاني 2019، التحق مهاجرون ولاجئون أُخلي سبيلهم من مراكز الاحتجاز في طرابلس بالعدد القليل من اللاجئين الذين تمكنت مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين من تأمين توطين لهم في بلد مضيف وكانوا ينتظرون إجلاءهم في مركز التجمع والمغادرة.
وفي ديسمبر/كانون الأول أعلنت مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين أنها تقوم بإعادة تقييم دورها في مرفق التجمع والمغادرة كما أقرَّت بأنها لا تملك إلا القليل من السلطة على المرفق الذي تتولى السلطات الليبية إدارته بشكل رئيسي، بدون وصول غير مقيد للمنظمات الدولية ولا حرية التنقل لأولئك المحتجزين فيه. وأن المفوضية ستوقف معظم دعمها للمرفق بحلول نهاية عام 2020، وأنها أوصت بأن يغادر الأشخاص المقيمين هناك المكان.
هذا ولا يوجد هناك أماكن أخرى يمكنها أن توفر حداً أدنى من الأمان للمهاجرين واللاجئين الذين في حاجة ماسة للحماية من أي أذى فوري إضافي لحين إيجاد حل أكثر ديمومة، سواء كان ذلك الحل توطيناً في بلد ثالث أو عودة طوعية للبلد الأم أو خياراً آخر. وقد رفضت حتى الآن مختلف الجهات الليبية الحاكمة مقترحات إنشاء ملاجئ تشرف عليها منظمات دولية يكون للناس فيها حرية التنقل كما يشاؤون.
وإن المساعدة المقدمة من قبل مفوضية اللاجئين وشركائها في طرابلس للاجئين المغادرين لمرفق التجمع والمغادرة أو الذين يخلى سبيلهم من مراكز الاحتجاز غير كافية. فهي تشمل بعض المساعدة النقدية وبعض المستلزمات الأساسية ومتابعة وضع طلباتهم أو وضعهم الصحي. ولا يوجد هناك مأوى أو خدمات سكن؛ ويضطر اللاجئون لأن يدفعوا تكاليف سكنهم بنفسهم. فيقعون بذلك من جديد تحت قبضة الاختطاف لقاء الفدية أو العمل القسري أو العنف والاستغلال الجنسي أو ما هو أسوأ من ذلك.
وهذا ما حدث لصاموئيل الذي أخلي سبيله من مركز احتجاز غريان في يوليو/تموز 2019 بعد رحلة قطعها من بلده إريتريا، الذي سُجن فيه بسبب نشاطه السياسي، إلى ليبيا التي قضى فيها شهوراً في قبضة مهربي البشر ثم في مركزي احتجاز ظهر الجبل وغريان في طرابلس، حيث شُخِّص بالإصابة بالسل.
عندما أفرج عنه من مركز احتجاز غريان وركب حافلة باتجاه طرابلس رفقة موظفين من منظمات شريكة لمفوضية الأمم المتحدة للاجئين، ظن صاموئيل أنه في طريقه إلى مرفق التجمع والمغادرة. لكنه بدلاً من ذلك حصل على دعم من خلال برنامج المساعدة الحضرية التابع لمفوضية اللاجئين ومركزها المجتمعي النهاري في قرجي بطرابلس. لكن صاموئيل وبعد قضائه عامين عانى فيهما من الإساءة والاحتجاز جعلاه مريضاً وضعيفاً، وليس في حوزته سوى 450 دينار ليبي، كان عليه أن يجد مكاناً لينام ويعيش فيه. كان خائفاً من فكرة العيش في طرابلس وتوصل إلى قناعة أن الوضع في مركز احتجاز غريان أفضل.
أوروبا ترمي المال لتخفي لمشكلة
خصص أو دفع الاتحاد الأوروبي:
408 M€
408M
98 M€
98M
منذ نهاية عام 2015، خصص الاتحاد الأوروبي مبلغ 408 ملايين يورو لمشاريع في ليبيا تخص قضايا الهجرة من خلال صندوق الاتحاد الأوروبي الاستئماني للطوارئ لإفريقيا. ونحو نصف الأموال يذهب إلى حماية ومساعدة المهاجرين واللاجئين في البلد، من خلال مفوضية الأمم المتحدة للاجئين والمنظمة الدولية للهجرة بشكل رئيسي. كما خصص الاتحاد الأوروبي 98 مليون يورو لليبيا من عام 2014 إلى 2020 لدعم برامج مختلفة، بما فيها السيطرة على الهجرة وإنشاء منظومة لطلب اللجوء. وإضافة إلى مبلغ الـ 506 ملايين يورو من دافعي الضرائب الأوروبيين، تحوّل عدة دول أموالاً إلى ليبيا ضمن اتفاقات تعاون ثنائية.
وما يزال الهدف الرئيسي للدول الأوروبية احتواء المهاجرين واللاجئين في ليبيا بأي ثمن كان. كما أن برامج المساعدة والحماية التي يمولونها في ليبيا تخدم هذا الهدف وتعمل إلى حد ما كأداة لهذه السياسة الغاشمة. وبالرغم من التمويل الكافي إلا أن القيود السياسية والتحديات الأمنية ونقص الشفافية على الأرض تعني أن هذه البرامج تفشل في تلبية حتى الحد الأدنى مما هو متوقع من تدخل إنساني. ويعتبر مجال التفاوض مع السلطات بالنسبة للمنظمات الإنسانية العاملة في ليبيا محدوداً للغاية.
عندما يتعلق الأمر بالتفاوض مع الحكومة الليبية ومختلف الجهات المحلية، لا يبدو أن مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين تتلقى أي دعم سياسي من نفس الدول التي تقدم لها موارد مالية معتبرة. وكباقي الهيئات الأممية، يواجه العمل الميداني قيوداً شديدة – حيث لا يوجد سوى عدد محدود جداً من الموظفين الدوليين في البلد، ويتركز أغلبهم في طرابلس. وبالرغم من أن حكومة الوفاق الوطني تستمد جزءاً من شرعيتها من اعتراف الأمم المتحدة بها، إلا أنها لا تعترف بمفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين، وهي إحدى أهم هيئات الأمم المتحدة.
لا يوجد في ليبا منظومة طلب لجوء ولم تصادق على اتفاق جنيف لعام 1951 المتعلق بوضع اللاجئين. وحتى أكتوبر/تشرين الأول 2019، لم يكن يُسمح لمفوضية الأمم المتحدة للاجئين إلا بتسجيل طالبي اللجوء واللاجئين من عدد محدود من الدول. توجد إمكانية سياسية ومالية لكنها لا تستخدم لضمان تحسينات فعلية في معاملة اللاجئين والمهاجرين في ليبيا.
ولم يعد من وجود لمفاهيم بسيطة وأصولية من قبيل حماية طالبي اللجوء أو مساعدة الناس باسم الإنسانية المشتركة أو الأعراف الممتدة عبر الأزمان والمنصوص عليها في اتفاق جنيف 1951؛ حيث اختفت تلك المفاهيم بالكامل من خطابات الدول والهيئات الحكومية حول ليبيا. بل تم استبدالها بالسيطرة على الهجرة. وقد انكشفت منذ زمن طويل تلك السياسات المنافقة والخالية من القيم في إدارة الهجرة التي تتبعها الدول الأوروبية في ليبيا وعواقبها الكثيرة – لكن شيئاً لم يتغير كما يجب، ولا حتى بعد موجة الغضب العالمية في 2017.
- هنالك حاجة ملحة لتوسيع نطاق المساعدة الإنسانية للاجئين والمهاجرين في ليبيا وجعلها أكثر شفافية.
- يجب أن يتوقف الحجز التعسفي للمهاجرين واللاجئين بشكل فوري. ويجب إنشاء ملاجئ تؤمن لهم الأمان والمساعدة على وجه السرعة والضرورة، ريثما يتم ترتيب إجلائهم.
- ويمكن لما تقدَّم أن ينجح فقط إذا توقفت أوروبا عن إعادة أولئك الذين يحاولون الفرار عبر البحر وإذا أمَّنت الدول الآمنة المزيد من الأماكن لاستقبال الناجين.
*تم تغيير الأسماء للحفاظ على خصوصية الأشخاص