يصيب مرض السكري النوع الأول الأطفال والمراهقين، وهو مرضٍ مزمنٍ سيرافقهم مدى الحياة، وغالبًا ما يواجهون صعوبات للتعايش معه. يعاني مرضى السكري النوع الأول من قصور في البنكرياس يحول دون إنتاج كميّة كافية من هرمون الأنسولين المطلوب للسماح للسكر (الغلوكوز) بالدخول إلى الخلايا لإنتاج الطاقة.
يتطلب هذا المرض أيضًا متابعة دورية لمستوى السكر في الدم، خصوصًا أنّ مرضى السكري النوع الأول من الأطفال أكثر عرضة لاختلالات مفاجئة قد تعرّضهم لمضاعفات خطيرة، وآثار جانبيّة على المدى البعيد. هذا ما دفع منظّمة أطباء بلا حدود إلى إيلاء أهميّة خاصّة لهذه الفئة من المرضى، وتطوير برامجها لخدمتهم بشكل أفضل.
بغية تحسين نوعية حياة مرضى السكري النوع الأول، وتمكينهم، ورفع مستوى الالتزام والتقيّد بالعلاج، بدأت منظمة أطباء بلا حدود باستخدام تقنيات جديدة مثل نظام مراقبة الجلوكوز المستمرة وقلم الأنسولين في عياداتها في لبنان كجزء من خدمات الرعاية الشاملة التي نقدمها لمرضى السكري النوع الأول الذين تقل أعمارهم عن 15 عامًا.
إليكم قصص بعض الأطفال الشجعان المصابين بداء السكري الذين نلتقي بهم في عياداتنا ونتعلّم منهم يوميًا.
قصة عبدالله (8 سنوات)
يعاني عبدالله من مرض السكري النوع الأول ومن داء الصرع، مما يجعل وضعه شديد التعقيد من حيث العلاج والنظام الغذائي. يتابع عبدالله علاجه في عيادة منظمة أطباء بلا حدود في مخيم شاتيلا في جنوب بيروت، وقد زُّوّدَ بقلم الأنسولين لتسهيل حقن الجرعات التي يحتاجها.
أُصيب عبدالله بالسّكري عندما كان عمره سنة ونصف، وكان لا يزال يعيش في الرّقة في سوريا. "عندما اضطررنا إلى الفرار إلى لبنان، كانت أكبر مخاوفي كيف سأؤمن العلاج والأدوية لعبدالله، فقد أخبرني أقاربي أن الرعاية الصحية في لبنان باهظة الثمن. اشتريت جهاز قياس السكر في الدم (جهاز الجلوكوميتر) وبعض الشرائح والأنسولين ما يكفينا لمدّة ثلاثين يومًا، على أمل أن أجد مقدم رعاية صحية بتكلفة مقبولة. حتّى علمت أن منظمة أطباء بلا حدود توفر علاجًا مجانيًا لأمراض المزمنة في عيادتها في مخيم شاتيلا، فتوجّهت مع عبدالله هناك".
عبدالله صعب المزاج، وخصوصاً فيما يتعلّق بالعلاج، فقد كان يحضر لوالدته جهاز الجلوكوميتر وقلم الأنسولين بنفسه، أمّا الآن، فيرفض الأمر. لقد أدرك أنه الوحيد من بين أصدقائه الذي يستخدم مثل هذه الأجهزة، والوحيد الذي يجب عليه اتّباع حمية غذائية معيّنة ولا يستطيع تناول ما يريد.
يعمل فريق التثقيف الصحي في العيادة على مساعدة ودعم عبد الله ووالدته لحثّه على الالتزام بشكلٍ أفضل بالعلاج واتباع نظام غذائي صحي.
تقول والدته: "لو لم يكن العلاج متاحًا في عيادة المنظمة، لما تمكنت من شراء الأدوية لعبدالله دوريّاً. ومن دون العلاج المتواصل، لا يمكن لابني أن ينعم بصحّة جيّدة. وحتّى لو أنّ وضعه ليس مستقر تماماً بفعل إصابته بالسكري والصرع، إلا أنّه في حالة أفضل بكثير من قبل."
قصة بشار (15 سنة)
يتابع بشار علاجه لمرض السكري نوع الأول في عيادة منظمة أطباء بلا حدود في عرسال منذ عامين.
أبرز التحديات التي تواجه بشار هي أنه لا يتناول الوجبات الخفيفة خلال ساعات الدراسة، مما يسبب له نقص في معدّل السكر في الدم في منتصف النهار تقريبًا، فهو لا يريد أن يُظهر لأصدقائه ومعلميه في المدرسة أنه مصاب بمرض السكري ولا يرغب في تلقي معاملة خاصّة من فبلهم بسبب هذا المرض.
بشار طفلٌ خجول، اعتاد في البداية أن يأتي إلى موعده في العيادة برفقة والده. بعد أربع جلسات، بدأ يأتي إلى العيادة وحده. تقول نسرين، مسؤولة التثقيف الصحي في عيادة عرسال: " يستمع بشار جيّدًا إلى النصائح، ويأخذها على محمل الجد، ولكن من الصعب جدًا على الطفل في سنه تحمّل المسؤولية الكاملة عن علاج مرضه وعدم تلقي الدعم. نبذل قصارى جهدنا لمنحه الدعم الذي يحتاجه".
قصة موسى (6 سنوات)
تم تشخيص إصابة موسى، البالغ من العمر 6 سنوات، بمرض السكري النوع الأول منذ عامين، وكانت أول تجربة للعائلة مع مرض السكري.
تقول ندى، والدة موسى: "كان المرض جديدًا بالنسبة لي، لم أكن واثقة إذا ما كنت سأنجح بالتعامل معه، فكنت أذهب إلى طبيب الأطفال كل ثلاثة أيام لاستشارته. لم أكن أمتلك الثقة الكافية".
قبل أن تتعرّف على عيادة منظمة أطباء بلا حدود، اعتادت ندى الذهاب إلى عيادة خاصة حيث كانت تشتري قلم الأنسولين وجهاز قياس سكر الدم (جهاز الجلوكوميتر) والشرائح من الصيدلية. كانت تكلفة جميع هذه الأدوات لا تقل عن الـ50 دولارًا في الشهر، معظمها ديون، ولا تزال ندى تدفع بعض الفواتير القديمة للصيدلي حتى اليوم.
يتابع موسى علاجه الآن في عيادة منظمة أطباء بلا حدود في عرسال، ومؤخراً التحق ببرنامج نظام مراقبة الجلوكوز المستمرة. تضيف ندى: "عندما تم إخباري عن هذا البرنامج، كنت خائفة. لم أسمع عن هذا من قبل، ولم أكن متأكدة من تأثيره على صحة طفلي. لكن عندما أوضح لي الفريق الطبي ذلك، شعرت بأن هذا الجهاز مريحًا جدًا لموسى، وأفضل بكثير من الوخز".
الجزء الأكثر تحديًا لموسى في تعامله مع مرض السكري هو اتّباع نظام غذائي سليم. من الصعب عليه التمسك بالأكل الصحي، حيث يرى جميع الأطفال من حوله يأكلون جميع أنواع الوجبات الخفيفة غير الصحية.
أحيانًا، لا تستطيع ندى تأمين وجبات صحية لموسى. ينتهي به الأمر بتناول البطاطا أو الأرز فقط، فلذا تزيد ندى جرعة الأنسولين لموازنة الوجبة الثقيلة التي يتناولها موسى، فلا تمتلك أي خيار آخر.
قصة خلود (13 سنة)
تعاني خلود من مرض السكري النوع الأول. وقد شكّل تشخيصها بهذا المرض صدمة كبيرة لعائلتها، فهي لا تزال صغيرة في السّن. وقد حصلت خلود على نظام مراقبة الجلوكوز المستمرة من عيادة المنظّمة في عرسال وذلك في إطار البرنامج الذي تنفذه منظمة أطباء بلا حدود لمرضى السكري النوع الأول الذين تقل أعمارهم عن 15 سنة في عياداتها في البقاع وشمال لبنان.
تقول خلود: "أنا أتعامل مع مرضى بنفسي؛ لقد تعلمت كيفية وضع جهاز مراقبة الجلوكوز المستمرة ومتابعته دوريًا والتحقق من النتائج والبيانات. كما تعلمت كيفية حقن الأنسولين بنفسي".
وتضيف خلود: "أشعر بالثّقة أنني قادرة على التعامل مع المرض، وطبعًا أشعر براحةٍ كبيرة لأنني أستخدم هذا الجهاز بدلاً من حقن إصبعي 3 إلى 4 مرات في اليوم للتحقق من مستوى السكر في الدم".
تعيش خلود مع عائلتها في لبنان منذ العام 2012، بعد أن لجأت من بلدتها القصير في سوريا. كالعديد من اللاجئين، تكافح عائلة خلود ماديًا، لكنّها تشعر بامتنانٍ شديد لأن الخدمات والرعاية الكاملة التي تقدمها منظمة أطباء بلا حدود لخلود مجانية. تقول والدتها: "عندما مرضت خلود قبل خمسة أشهر، طلب منا الطبيب إجراء فحوصاتٍ إضافية. كان علينا أن نقترض المال من الجيران والأقارب لدفع تكاليف التحاليل. لم يكن هناك أي طريقة تمكّننا من دفع تكاليف الأدوية والأنسولين لها بشكل منتظم، فرعاية مرض السكري مكلفة للغاية". وتضيف: "لو لم تقدم منظمة أطباء بلا حدود هذه الخدمات، لما تتلقت ابنتي أي علاج".
ساهمت جلسات التثقيف الصحي التي تقدمها المنظمة في عيادتها في عرسال برفع مستوى فهم خلود بمرض السكري، فهي تعرف الآن كيفية إدارة حالتها، وما هو الغذاء الصحي المناسب لها، ولكن الأهم من ذلك أنها تمكنت من التعرّف إلى أطفال آخرين يعاموم من مرض السكري ، فأدركت أنّها ليست وحيدة.