حكاية منظّمة أطباء بلا حدود في لبنان، بين الأمس واليوم، هو معرض أقيم بين 10 و13 ديسمبر/كانون الأول 2018 في بيروت، يستعرض لحظات تاريخية من 42 عاماً جمعت المنظّمة بلبنان.
1975: اندلاع الحرب الأهلية اللبنانية
نزاع متعدّد الأوجه ومدمّر. بحلول نهاية الحرب الأهلية عام 1990 ، أي بعد 15 عامًا على اندلاعها، وصل عدد القتلى إلى 100,000 وعدد المفقودين إلى 17,000 وتضاءل متوسط العمر المتوقع بمقدار النصف وعانى معظم السكان من مشاكل الصحة النفسيّة والإصابات الناجمة عن الحرب.
1976: منظّمة أطبّاء بلا حدود تُطلق برامج المساعدة الطبيّة في لبنان
للمرة الأولى منذ تأسيسها، قرّرت المنظّمة توفير المساعدة الطبيّة الأساسيّة في منطقة حرب. وشكّل ذلك عملية محفوفة بالمخاطر هدفت إلى المساهمة في سدّ احتياجات المجتمعات اللبنانية والفلسطينية. وأسهمت هذه الخطوة في إرساء إطار أنشطة المنظّمة في مناطق النزاع على مدى العقود القادمة.
1982: إسرائيل تجتاح لبنان وتتوغّل داخل أراضيه
وصل الجيش الإسرائيلي إلى بيروت وأطلق النيران بعشوائية وفرض حصارًا على العاصمة بيروت وسكانها. وقُتل آنذاك حوالى 20,000 مدني. واحتل الجيش الإسرائيلي بنان، ولا سيما المناطق الجنوبية منه، لأكثر من عقدين من الزمن.
1987 - 1990: الحرب الأهلية اللبنانية تشارف على نهايتها
طواقم المنظّمة تغادر بيروت عام 1984 وتعود بصورة عاجلة عام 1987 مع مشارفة الحرب الأهلية اللبنانية على نهايتها.
1999 - 2000: الحرب الأهلية اللبنانية تنتهي رسميًا
بالرغم من توقيع اتفاق الطائف عام 1990 وتوقف إطلاق النار، إلا أن المجتمعات المحلية في لبنان استمرت بمواجهة احتياجات طبيّة كبيرة، بالإضافة إلى حاجتها للمساعدة بسبب
التجربة الصادمة الناجمة عن الاحتلال الإسرائيلي لجنوب لبنان.
ولذلك، استجابت طواقم المنظّمة إلى التأثيرات النفسيّة والاجتماعيّة الناجمة عن العيش وسط هذه الظروف الشديدة مطلقةً مجموعة من مشاريع الصحة النفسيّة، لا سيما في
الجنوب.
وفي وجه مقاومة مسلّحة كبيرة، انسحب الجيش الإسرائيلي من معظم الأراضي اللبنانية في ربيع العام 2000.
2006: حرب ال 34 يوماً على لبنان
منذ العام 2000، ومع انسحاب إسرائيل من لبنان، قلّصت طواقم المنظّمة عملياتها في البلد، مركزةً على دعم الصحة النفسيّة لسكان مخيمات اللاجئين الفلسطينيين وسكان جنوب لبنان.
ولكن في عام 2006، ومع شن إسرائيل حرب أخرى على لبنان، استجابت المنظّمة إلى حالة الطوارئ من خلال تعزيز الدعم الطبّي واللوجستي للبلد. ومن أجل القيام بهذا، قامت طواقم المنظّمة والتي تعمل بالتعاون مع منظّمة “غرينبيس”، بكسر الحصار ونقل الإمدادات إلى المناطق الجنوبية المتأثرة وتوفير المساعدات الطبيّة المتواصلة للسكان المتضررين. وتم إرسال أكثر من 300 طنٍ من الإمدادات من قبرص إلى بيروت، وشملت مواد الإغاثة والإمدادات الطبيّة والمواد اللوجستية.
وتجاوزت حصيلة الموتى نتيجة النزاع الممتدّ على 34 يومًا 1,100 شخصٍ في لبنان، معظمهم من المدنيين، بينما نزح أكثر من مليون شخصٍ وتسبّبت الغارات الجوية بأضرار جسيمة طالت البنى التحتية.
2008: منظّمة أطبّاء بلا حدود تُنشئ عمليات مستدامة للصحة النفسيّة في لبنان
قرّرت منظّمة أطبّاء بلا حدود في خطة أولية أن تُدير مشاريع ممتدة على 3 سنوات في أرجاء مختلفة من البلد مع تشديد التركيز على دعم الصحة النفسيّة.
2011: الحرب السورية وتأثيرها على لبنان
اشتدت حدّة حالات الطوارئ وازدادت الاحتياجات مع اندلاع الانتفاضات في أرجاء المنطقة. وتأثر لبنان بالحرب السورية لا سيما مع عبور أكثر من مليون لاجئ سوري فارّين من العنف والظروف المعيشية الصعبة إلى لبنان. فتعرّضت الهياكل الأساسيّة الطبيّة والصحيّة اللبنانية لضغط هائل.
وبالتالي، قررت منظّمة أطبّاء بلا حدود توسيع نطاق عملياتها وحجمها لتلبية احتياجات المجتمعات المحلية من اللاجئين والسكان المضيفين.
وتنتشر مشاريع منظّمة أطبّاء بلا حدود وعياداتها المتنقلة في أنحاء لبنان، بدءًا من بيروت وصولً إلى الشمال (في وادي خالد) والجنوب (في صيدا) والشرق (في البقاع).
وتُقدّم المنظّمة الإنسانيّة الطبيّة رعاية الأمومة الأساسيّة والمجانيّة ذات الجودة العالية والرعاية الصحيّة الأساسيّة ورعاية الأمراض غير السارية والصحة النفسيّة إلى جانب أشكال أخرى من الدعم. وما زالت هذه المشاريع مستمرة حتى يومنا هذا.
تعمل طواقم أطباء بلا حدود حالياً في 13 موقعٍ على الأراضي اللبنانية، حيث تدير برامج الرعاية الصحية الأولية التي تركّز على رعاية الأمراض المزمنة والصحة الجنسية والإنجابية والصحة النفسية، بالإضافة إلى ثلاثة مراكز تُعنى برعاية الأم والطفل. أمّا على مستوى الرعاية الصحية المتخصصة، توفّر منظّمة أطباء بلا حدود خدمات طبّ الأطفال والجراحات غير الطارئة، وذلك استجابةً لاحتياجات المجتمعات المحلية في لبنان.
تُعتبر الأمراض المزمنة من الأمراض الرئيسيّة المسبّبة للوفاة في بلدان عديدة، ولبنان أحدها.
لا يمكن الكشف فورًا عن الأمراض المزمنة لأنّ العوارض قد تحتاج إلى عدة أعوام لتظهر. وبحلول وقت ظهورها بالكامل، قد تشكّل خطرًا على الحياة إن لم تُعالج.
وتُدير منظّمة أطبّاء بلا حدود منذ أبريل/نيسان ٢٠١٢ برنامج رعاية الأمراض المزمنة في لبنان لتلبية احتياجات اللاجئين السوريين والمرضى اللبنانيين الأكثر حاجة، والذين لا يستطيعون الوصول إلى خدمات الاستشارات الطبيّة والفحوصات المخبريّة والعلاجات أو يعجزون عن تحمّل التكلفة المرتفعة لها. واليوم، تقدم المنظمة الرعاية ل ١٣,٧٠٠ مريض يعانون من الأمراض المزمنة في لبنان، ويشكّل ذلك أكبر عدد من المرضى المصابين بأمراض المزمنة التي تدعمه المنظّمة حول العالم.
وتوفّر المنظّمة عبر عياداتها في لبنان الاستشارات والفحوصات المخبرية والأدوية للمصابين بأمراض المزمنة مثل ارتفاع ضغط الدم والسكري من النوع ١ والنوع ٢ واضطرابات القلب والأوعية الدموية والربو والصرع وغيرها.
وتقدّم فرق الإرشاد الصحّي، إلى جانب الرعاية الطبيّة المباشرة، جلسات التوعية داخل العيادات وخارجها، لتعزيز فهم المرضى لأمراضهم وتحسين التزامهم بالعلاج وتشجيعهم على تغيير أسلوب حياتهم إلى أسلوب صحّي بهدف تجّنب المضاعفات. كما تُوفر برامج المنظّمة لرعاية الأمراض المزمنة حلولًا مبتكرةً تتلاءم مع الظروف المعيشيّة الصعبة للمرضى، مثل خدمات الرعاية الصحيّة المنزليّة، وأجهزة قياس الغلوكوز المنزلية، وشريحة استشعار الغلوكوز، مما يسمح بمتابعة الحالات المعقّدة بشكلٍ أفضل.
الصحّة النفسيّة جزء لا يتجزأ من صحّة الإنسان.
لا تزال المجتمعات الأكثر حاجة في لبنان تفتقر بشكل كبير إلى خدمات الصحة النفسيّة والدعم النفسي.
ولذلك تُقدّم منظّمة أطبّاء بلا حدود منذ العام ٢٠٠٨ استشارات مجانيّة للصحة النفسيّة، وهي مدرجة ضمن خدمات الرعاية الصحيّة الأوليّة التي تقدّمها المنظّمة في عياداتها في مختلف أرجاء لبنان.
وإلى جانب استشارات الصحّة النفسيّة، تقدّم منظّمة أطباء بلا حدود جلسات دعم جماعية، كما يشارك اختصاصيو الصحة النفسيّة في أنشطة التوعية الميدانيّة داخل المجتمعات، وهذا ما يجعلهم قادرين على اكتشاف الحالات التي تحتاج إلى دعم نفسي وإحالتها إلى المختصين، فكلما تلقى المريض المساعدة في وقت مبكر، ازدادت إمكانية التخفيف من تأثير الاضطرابات النفسيّة.
أمّا في المناطق النائية في لبنان، حيث تنعدم تقريبًا فرص الحصول على العلاج النفسي والرعاية الصحيّة المتخصّصة، فتعمل المنظّمة على تنفيذ برنامج منظّمة الصحة العالمية المسمى "برنامج العمل لرأب الفجوة في الصحة النفسيّة"، وهو عبارة عن مبادرة أطلقتها وزارة الصحة العامة اللبنانية لسدّ الفجوات الهائلة في الخدمات النفسيّة المُقدّمة إلى السكان الأكثر حاجة.
ومن خلال هذا البرنامج، يتلقى الأطبّاء العامون التدريب ليوفروا، تحت إشراف طبيب نفسي خارجي، الدعم الطبّي لمن يعانون من اضطرابات نفسيّة وعصبيّة في المناطق التي تنخفض أو تنعدم فيها فرص الأفراد والمجتمعات الأكثر حاجة في الحصول على الرعاية النفسيّة الجيّدة
تستحوذ البلدان النامية على حوالى ٩٩ في المئة من وفيات النساء أثناء الولادة أو نتيجة المضاعفات المرتبطة بالحمل.
معظم هذه الوفيات يمكن تجنبها
في إطار عملها، وجدت منظّمة أطبّاء بلا حدود أنّ الحصول على الخدمات الصحيّة الجنسيّة والإنجابيّة ميسورة التكلفة والولادات المجانيّة هي حاجة خاصة وأساسيّة بين أوساط اللاجئين والمجتمعات الأكثر حاجة في لبنان.
ولذلك، من أجل ضمان الحمل الصحي والولادات المأمونة، دمجت المنظّمة الخدمات الصحيّة الجنسيّة والإنجابيّة في مجموعة الرعاية الصحيّة الأوليّة الخاصة بها في عياداتها. وتشمل الخدمات الصحيّة الجنسيّة والإنجابيّة رعاية ما قبل الولادة ورعاية ما بعد الولادة وتنظيم الأسرة مع نهج مجتمعي لنشر الوعي حول الوسائل المتوفرة لتحقيق ذلك.
كما تُدير المنظّمة برنامج رعاية الأم والطفل في ثلاثة مواقع: عرسال ومجدل عنجر وبيروت. ويعتمد البرنامج على نموذج القبالة للرعاية، والذي تجري فيه القابلة القانونية عمليات الولادة الطبيعية غير المعقدة ورعاية الأطفال حديثي الولادة في العيادة، بينما تُحال الحالات المعقدّة إلى مستشفيات شريكة.
ووقّع مستشفى رفيق الحريري الجامعي في مايو/أيّار ٢٠١٨ مذكرة تفاهم مع المنظّمة في لبنان تخوّلها إدارة مركز الولادة في حرم المستشفى بموجب اتفاقية قابلة للتجديد وممتدة على ثلاث سنوات. وبالتالي، وافق المستشفى والمنظّمة على توحيد قدراتهما مع التشديد على أهمية وشأن نموذج القبالة للرعاية.
يُعتبر الأطفال الفئة الأكثر حاجة في الحالات الإنسانية، حيث يكونون أكثر عرضةً للإصابة بالأمراض والوفاة.
ويستحوذ الأطفال على نسبة ٦٠ ٪ من إجمالي مرضى منظّمة أطباء بلا حدود حول العالم.
يستضيف سهل البقاع، شرق لبنان، حوالى ٥٠٠,٠٠٠ لاجئ سوري، وتشكّل النساء والأطفال النسبة الأكبر منهم. وتنعدم في سهل البقاع فرص حصول كل من المجتمع اللبناني المحلي ومجتمع اللاجئين على خدمات الرعاية الصحيّة المتخصّصة ميسورة التكلفة، بينما تتّسم الخدمات المُتاحة بطابعها الخاص وتكلفتها الباهظة.
ولذلك، تُقدّم المنظّمة منذ آذار/مارس ٢٠١٧ رعاية شاملة للأطفال، تتضمن خدمات استشفائية وخدمات العيادات الخارجية، مستهدفةً السكان الأكثر حاجة، وذلك بالتعاون وبالاشتراك مع وزارة الصحة العامة اللبنانية (في مستشفى الياس الهراوي الحكومي) ومنظمة "واحة" الطبية غير الحكومية.
وتُعتبر الأنشطة الاستشفائية جزءًا لا يتجزأ من مستشفى الياس الهراوي الحكومي الضخم الذي يتميّز بخدمات دعم واسعة النطاق، حيث تدير المنظّمة جناح من ٢٨ سريرًا.
أما على صعيد العيادات الخارجيّة، فتهدف الشراكة مع منظّمة واحة إلى ضمان استمرار الرعاية المُقدَّمة إلى المرضى الذين يعانون من حالات معقدة حادّة ومزمنة.
وتوفر المنظّمة من خلال برنامج طبّ الأطفال في زحلة رعاية صحيّة متخصّصة ومجانيّة تشمل خدمات العناية المركزة ورعاية مرضى الثلاسيميا.