يعاني الفلسطينيون في الضفة الغربية المحتلة من انتهاكاتٍ متكررة وهجمات منتظمة من المستوطنين الإسرائيليين بدعم من الجيش الإسرائيلي، إذ يقومون بهدم منازلهم واعتقالهم تعسفياً، ما يتسبّب لهم بالأذى الجسديّ والنفسيّ.
شهدت رهف البالغة من العمر 14 عامًا على اعتقال والدها وإخوانها الثلاث، ومداهمة الجيش الإسرائيلي لمنزل عائلتها عدة مرات، وأصبحت تعاني من أعراض نفسية وجسدية حادة مثل الأرق وارتعاش اليدَين على مرّ السنتَين الفائتتَين. وتقول، "كنا نائمين واستيقظنا لنجد أفراد الجيش واقفين فوق رؤوسنا. داهموا المنزل مرتَين خلال شهر واحد".
ولكن رهف وصلت إلى شفير الانهيار عندما اعتقلوا أخاها الرابع حمزة بينما كان في عمله. "لم أظن يوماً أنهم سيأخذون حمزة. كان في عمله في محطة الوقود عندما اعتقلوه. صوّر أحدهم بهاتفه ما جرى ورأيناهم يضربونه. لم يصلنا أي خبر عنه حتى أعادوه إلى المنزل بعد 60 يومًا".
في الواقع، قصة رهف ليست فريدة من نوعها، فالفلسطينيون في الضفة الغربية، وبالأخص في الخليل، يمرون في تجارب مماثلة كل يوم. يتعرّضون للاضطهاد على يد المستوطنين الساعين إلى السيطرة على الأراضي، ويتلقى آخرون أخبارًا بأنّ منازلهم ستُهدم -منهم من يشهد على هدم منزله، ومنهم من يدخل في معارك قانونية تدوم سنوات طوال.
وتنشأ من رحم المعاناة بيئة من انعدام الاستقرار والقلق والإجهاد التي تحمل تأثيرًا سلبيًا على صحة الفلسطينيين النفسية.
ولا يخفى هذا التأثير السلبي الكبير على رغدة، والدة لستّة أطفال تُحارب منذ 11 عامًا قرارًا يسمح بهدم منزلها الذي تعيش فيه مع اثنَين من أطفالها. ودفعت بها محنتها إلى طلب المساعدة النفسية التي تقدمها أطباء بلا حدود عام 2014، عندما اعتقل الجيش الإسرائيلي ابنها البالغ 12 عامًا من العمر آنذاك وأبقاه في السجن لستّة أشهر.
تنهار رغدة بالبكاء بينما تسترجع ذكريات الحادثة، واصفةً تأثيرها عليها وعلى أطفالها، "لست من الأشخاص الذين يُظهرون حزنهم عادةً، ولكن بسبب كل ما مررت به بدأت بالبكاء أمام أطفالي. لم أكن هكذا سابقًا. عندما وصلت إلى هذه المرحلة، أدركت أنني أنهار. لست شخصًا عنيفًا يضرب أطفاله، لذا بدأت بتكسير الصحون والأكواب. شعرت بأنّني أنفس عن غضبي بهذه الطريقة، عوضًا عن إلحاق الأذى بأطفالي وبنفسي".
ومن شأن هذه المشاكل النفسية التي تظهر نتيجة الأحداث الصادمة مثل تلك التي تختبرها رغدة أن تولّد شعورًا بالإحباط يؤدّي بدوره إلى الانهيار الأسري أو المجتمعي.
ولذلك، تعمل فرق أطباء بلا حدود في الخليل على التعامل مع المشاكل النفسية الناتجة عن الاحتلال، إذ يقدم اختصاصيون مدرّبون في مجال الصحة النفسية الدعم النفسي المجاني إلى أولئك الذين يُعانون من أعراض مثل الكوابيس أو الارتعاش.
أمّا أبو فراس، فهو عامل نفسي مجتمعي يدعم العائلات التي تعاني من أعراض مشاكل الصحة النفسية.، يعمل مع أطباء بلا حدود في مشروع الخليل منذ حوالي 20 عامًا.
ويقول في هذا الصدد، "لكم أن تتخيلوا ردة فعل أم أو أب عندما يشهدان على هدم منزلهما الذي يعتبرانه ملاذ الأمان. في هذه الحالات، يشعر السكان بالإجهاد والقلق ويعانون من مشاكل النوم. يشعرون طوال الوقت أن حياتهم مُهدّدة، ولا يملكون أي تطلعات مستقبلية، ويشعرون بالإحباط واليأس الدائمَين".
ويُردف أبو فراس قائلًا، "يتمثّل دورنا في بذل أقصى ما في وسعنا لمساعدتهم وتعريفهم إلى الموارد المتوفرة أمامهم والتي تساعدهم بدورها على متابعة حياتهم بشكل طبيعي. عاد بعضهم إلى الجامعات والمدارس، واستطاع البعض العودة إلى العمل وتمكّن البعض الآخر من إعالة عائلاته. وشخصيًا، أعتبر أنّ هذا إنجاز كبير".
تعتبر آثار هذا النوع من العنف بعيدة المدى ولا تستثني إلا القلائل، ويظل الأطفال بشكل خاص عرضةً لمشاكل الصحة النفسية طويلة الأجل نتيجة مشاهدة الأحداث المؤلمة أو المرور بها.
تُقدّم منظّمة أطباء بلا حدود استشارات الصحة النفسية في مدينة الخليل منذ عام 1996.
هذا ووصل عدد المرضى الذين قدّمت لهم أطباء بلا حدود خدمات الصحة النفسية بين فبراير/شباط ويوليو/تموز 2019 إلى 8,145 شخصًا، 60% منهم أطفال. يستمر المشروع في التوسع ويسعى إلى توفير الخدمات لأكبر عدد ممكن من المتضرّرين.