Skip to main content
No safe haven for Iraq’s displaced

النازحون في العراق وحلم العودة البعيد

العراقيون الذين فرّوا من القبضة الحديدية لتنظيم الدولة الإسلامية وغارات التحالف الذي تقوده الولايات المتحدة الأمريكية قد فقدوا الأمل فعلياً في المستقبل.

تقف قصتهم شاهداً على حقيقة أنه على الرغم من أن تنظيم الدولة الإسلامية قد انهزم عسكرياً، إلا أن السلام والازدهار ما زالا حلماً بعيد المنال بالنسبة للعديد من العراقيين.

ابتهج محمد وزوجته أم عبد الرحمن بهزيمة تنظيم الدولة الاسلامية في بلدتهما "القائم" في العراق في نوفمبر/تشرين الثاني 2017 ولكن على الرغم من مرور أكثر من عام على ذلك التاريخ ليس هناك أمل في عودتهما إلى منزلهما. 

يعيش الزوجان مع أبنائهما الثلاثة في مقطورة في مخيمٍ للنازحين في عامرية الفلوجة وسط العراق حيث تفصلهما عن بلدتهما مئات الكيلومترات ويعتمدون اعتماداً كاملاً على المساعدات للبقاء على قيد الحياة. 

بدأت رحلة هذه العائلة قبل ثلاث سنوات. يقول محمد البالغ من العمر 40 عاماً، "إثر القصف والتفجيرات التي طالت بلدتنا القائم اضطررنا للهرب إلى بغداد في سبتمبر/أيلول 2015. هربت من المدينة مع عائلتي ووالدتي المسنّة وأخي الأكبر وزوجته وابنتيه".

ولكنهم لم يتمكنوا من البقاء في بغداد بسبب الطائفية والفقر اللذين نغصا حياتهما فشدوا الرحال من جديد، هذه المرة إلى أربيل العاصمة الإقليمية لكردستان، وهناك تمكن محمد من إيجاد عمل ولكن أجره لم يكن كافياً لتغطية نفقات العائلة. 

منذ أواخر عام 2017، تعيش العائلة في مخيم عامرية الفلوجة، حيث يمتد بحرٌ من الخيام والكرفانات في مساحةٍ مقفرة لا تجد فيها إلا الرمال وأشعة الشمس الحارقة.  

No safe haven for Iraq’s displaced
محمّد وزوجته وأبناؤه الثلاثة- التُقطت هذه الصورة في 18 أكتوبر/تشرين الأول 2018.   
Mohammad Ghannam/MSF

"مدينة أشباح" 

تعاني العائلة من فقرٍ مدقع وتعتمد اعتماداً كاملاً في معيشتها على المساعدات الإنسانية، وطالما ظلوا هنا فلا أمل في أن يتغير ذلك الوضع. ولكن الأمور ليست أفضل حالاً في بلدتهما القائم والتي أمست كأنها "مدينة أشباح" كما يقول محمد، الذي يضيف قائلاً "نحن نعيش الآن هنا، في هذه الصحراء، دون أي بصيص من الأمل في أن ننتقل إلى مكانٍ جيدٍ للعيش".

الزوجة، أم عبد الرحمن، لديها شعور اليأس ذاته حول وضع الأسرة. وتقول، "اتصلتُ بأفرادٍ من عائلتي من أجل ترتيبات العودة لكنهم قالوا إن الوضع بائس هناك. قالوا لي أنه حتى من كانوا أغنياء قد باتوا اليوم فقراء وأنه فقط الموظفين في الدولة يتمكنون الآن من تدبير أمورهم المعيشية، أما الآخرون فيعيشون على ما يتصدق به عليهم المحسنون".

وأضافت قائلة: "لم أعد أفكر في العودة إلى القائم .. أريد أن أغادر العراق كله. لقد عانينا الكثير من البؤس والخوف والفقر. نفكر دائماً كيف سندبر ما نقيم به أوَدَنا؟ نحن نعيش في مقطورةٍ هنا في المخيم ونتلقى بعض المعونات وهي معونات بالكاد تغطي احتياجاتنا لعشرة أيامٍ لا أكثر. ومع ذلك، فهذا أفضل من العيش في القائم".

آخرون، كنديمة البالغة من العمر 70 عاماً وهي أمٌ لأربعة أبناء معوّقين، لا يتمكنون من العيش دون المساعدات. نديمة وأولادها كانوا أيضاً يعيشون في القائم وهربوا إلى عامرية الفلوجة بعد أن دمرت منزلهم غارة جوية. تقول نديمة، "أنا أعيش هنا فيما يشبه الجحيم مع أبنائي الأربعة الذين يعانون من إعاقات. جميعهم ولدوا بإعاقات خلقية وأنا أحاول رعايتهم وحدي منذ أن توفي زوجي في عام 2004 نتيجة فشلٍ كلوي. كان ذلك خلال الغزو الأمريكي للعراق حيث حدث نقصٌ كبير في الخدمات الطبية".      

ابنها مروان البالغ من العمر 25 عاماً حلمه الأوحد هو الحصول على كرسيٍ متحرك كهربائي حتى يتمكن من التنقل بحرية في المخيم. يقول مروان أن ذلك كل ما يريده في هذا العالم. 

تشعر نديمة كغيرها من المهجَّرين بأنها منهكة من قدرها وغاضبة من المعاناة التي تعيشها مع أسرتها يوماً بعد يوم. تتنهد نديمة قائلة، "ليس لدينا أي شيء. أنا امرأة مسنَّة ومريضة. أنا التي أطعمهم وأحممهم. ما من أحدٍ يقدم لي المساعدة ولا أدري كم من الوقت سيتعيّن علينا البقاء في هذا المخيم في هذه الصحراء. أنا متعبة دائماً وأحياناً أشعر بأنني سأنفجر من الغضب".

No safe haven for Iraq’s displaced
نديمة البالغة من العمر 70 عاماً من بلدة القائم العراقية وهي أمٌ لأربعة أبناء معوّقين. تعتيش العائلة في عامرية الفلوجة بعد أن دمّرت منزلهم غارة جوية. التُقطت هذه الصورة في 18 أكتوبر/تشرين الأول 2018.
Mohammad Ghannam/MSF

قلقٌ، أسى، واكتئاب 

يقول الدكتور عامر جاسم، وهو طبيب نفسي يعمل في المخيم ضمن فريق أطباء بلا حدود، أن الكثير من النازحين يأتون وهم أصلاً يعانون من مشاكل نفسية وجسدية قبل وصولهم إلى عامرية الفلوجة. يقول جاسم، "بدأت أطباء بلا حدود بمساعدة أولئك الذين يحتاجون إلى المساعدة بشكلٍ مباشر وذلك عبر تزويدهم بالأدوية وبالمعالجة النفسية".

ويشير الطبيب النفسي إلى أن الأطفال وصغار السنّ هم الفئات الأكثر تأثّراً في مواجهة مثل هذه الظروف التي تركت فيهم آثاراً سيئة، حيث يعاني الكثيرون منهم من صعوباتٍ في التعلم وصعوبات في الكلام واضطرابات عصبية وعدوانية بسبب الرعب الذي عايشوه. ولكنه يضيف بأن العديد من النازحين يعانون أيضاً من اضطرابات النوم ومن القلق بغضّ النظر عن عمرهم.  

في محافظتي نينوى وكردستان شماليّ العراق يقطن حوالي 30000 نازح في مخيمات مختلفة. ويعيش النازحون الذين يعيشون في وسط وشمال البلاد تجربة مماثلة.
 

No safe haven for Iraq’s displaced

الدكتور وسيم، طبيب نفسي يعمل مع أطباء بلا حدود في عيادتها في مخيم حسن شام 2 الواقع في منتصف الطريق بين مدينة الموصل التي كانت سابقاً معقل تنظيم الدولة الإسلامية ومدينة أربيل. يشرح الدكتور وسيم الأمر لنا قائلاً، "يمكن أن يظهر الاكتئاب في بعض الأحيان بعد الحادثة. يمكن أن يعاني الشخص في البداية من القلق والتوتر ومن ثم يصاب بالاكتئاب. في البدء يكون الأشخاص بحالة امتنان بالنجاة بأنفسهم ولكن مع مرور الوقت ترتفع مستويات القلق. الصعوبات الاقتصادية والقلق الذي يساورهم حول المستقبل يمكن أن يؤديا معاً إلى إصابة الناس بالاكتئاب".

وكما هو حال النازحين الفارين من القائم، ابتهج العديد من النازحين من الموصل لدى سماع أخبار اندحار تنظيم الدولة الإسلامية خارج مدينتهم ومسقط رأسهم وذلك في منتصف العام 2017. الكثيرون ممن كانوا يسكنون في هذا المخيم حزموا حقائبهم واتجهوا عائدين إلى هناك. 

الخوف من الانتقام

ولكن الكثيرين ممن ظنوا بأنهم سيستأنفون حياتهم ببساطة من حيث تركوها بعد أن استولت مجموعة مسلحة على المدينة انتهى بهم الأمر بالعودة مرةً أخرى إلى المخيم. "في الموصل، لم يكن هناك كهرباء. ولم يستطع العائدون الحصول على عمل ولم يكونوا يملكون المال لاستئجار منزل. بالنسبة للبعض منهم، كانت الحياة ببساطة أسهل في المخيمات، ولهذا اختاروا العودة. هناك عائلات أخرى اختارت البقاء في المخيم بحثاً عن الأمان". كما شرح لنا الدكتور عمر، الطبيب النفسي الذي يعمل أيضاً مع أطباء بلا حدود. 

بعد سنواتٍ من العنف، ما يزال انعدام الثقة متغلغلاً في العراق وهناك أشخاصٌ كعلي مناهل يدفعون الثمن. يعيش علي مع زوجته وأبنائهما الأربعة في مخيم الخازر والذي يقع أيضاً على الطريق الذي يربط بين الموصل وأربيل. يحدثنا علي، وقد التف أبناؤه الأربعة حوله كيف أمضى ستة أشهر و13 يوماً في زنزانة في أحد سجون تنظيم الدولة الإسلامية. يقول علي، "تعرضتُ للتعذيب على يد الدولة الإسلامية. استخدموا عدة أساليب في تعذيبي، بما فيها الكهرباء". كان يحدثنا بذلك وأحد أطفاله يجلس في حضنه بينما استلقت طفلته على الأرض وأصاخت السمع هي الأخرى. يقول علي، "قاموا بصعقي في الذراعين وأحد كتفيّ ما زال يؤلمني إلى الآن. تم اعتقالي لأنني كنت أعمل في الشرطة برتبة رقيب، وطلبوا فديةً من عائلتي. كان علينا أن ندفع 20 ألف دولار تلاها ألفان آخران لتأمين إطلاق سراحي".

لكن العائلة لا تخطط للعودة إلى بلدتهم سنجار، البلدة الواقعة إلى الغرب من الموصل والتي أصبح اسمها مرتبطاً بالمذبحة التي نفذها أفراد من تنظيم الدولة بحق اليزيديين. يقول علي، "سيكون من الخطر علينا أن نعود بعد حوادث الانتقام التي قام بها يزيديون ضد العرب".

المقال التالي
العراق
بيان صحفي 8 نوفمبر/تشرين الثاني 2018