Skip to main content
Aguek Deng, a snakebite patient in the post-op ward

لدغات الأفاعي مرض الفقراء، في جنوب السودان وحول العالم

نقلت أوين، التي تبلغ من العمر 10 سنوات إلى غرفة العمليات للمرة التاسعة عشرة. وذراعها اليمنى، التي وصل الضرر بها ‏إلى مرحلة لا يمكن علاجها، بالكاد معلقة بحمالة حول عنقها، ولكنها على الأقل لم تفقدها. والأهم من ذلك أنها لا تزال على ‏قيد الحياة.‏

تعرضت أوين قبل شهرين للدغة ثعبان بينما كانت نائمة ليلًا، وكغيرها من العديد من ضحايا لدغات الأفاعي في كافة أنحاء ‏دول أفريقيا جنوب الصحراء الكبرى، فإن الحصول على العلاج الطبي في الوقت المناسب لم يكن أمرًا متاحًا أمام أوين. فهي ‏تعيش في قرية صغيرة في جنوب السودان، بعيدة عن أقرب طريق وأكثر بعداً من أقرب مستشفى.

مصابون بلدغات الأفاعي في مستشفى أطباء بلا حدود في أغوك
تعرضت أوين للدغة أفعى عندما كانت نائمة على الأرض. جرّب أهلها طرقاً تقليدية كاقتطاع ضفدعة ووضعها على الجرح لوقف السم من الانتشار. حملها عمها على ضهره مدة خمس ساعات ومشى بها إلى مستشفى أغوك. أكتوبر/تشرين الأول 2018.
MSF

وفي المناطق الريفية، مثل هذه المنطقة، يكون أول رد فعل يقوم به الأشخاص هو علاج لدغة الأفعى باستخدام الطرق ‏التقليدية. جربت عائلة أوين عددًا من الأشياء: تم تقطيع ضفدع إلى قسمين ووضعه على اللدغة لإزالة السم؛ وتم إعطاؤها ‏بيضة نيئة لتشربها ومن ثم خليط من البذور والأوراق لجعلها تتقيأ وتخرج السم من جسمها. ‏

لم يساعد أي من هذه العلاجات، ولذلك قرر عمها أن يحملها على ظهره إلى أقرب مستشفى. استغرق الأمر ليلة كاملة ‏ليصل إلى أغوك سيرًا، حيث تدير منظمة أطباء بلا حدود المستشفى الوحيد في المنطقة.‏

مشكلة قديمة لا تلقى الاستجابة في جنوب السودان

تعالج منظمة أطباء بلا حدود حوالي 300 مصاب بلدغات الأفاعي كل عام في منطقة أغوك، وتكون معظم هذه الحالات ‏خلال موسم الأمطار، وهو الوقت الذي تتكرر فيه لدغات الأفاعي. إذ تهرب الأفاعي من المياه، فتدخل إلى بيوت الناس، ‏ولذلك يتعرض نصف الضحايا للدغ. الجميع معرضون للخطر، كالأطفال الذين يلعبون في الخارج والأشخاص الذين ‏يعملون في الحقول أيضًا، ولكن أينما تعرضوا للدغ، فإن جميعم يواجه المشكلة نفسها، وهي كيفية الوصول للعلاج. ‏

يعيش معظم ضحايا لدغات الأفاعي في مناطق نائية ويتعين عليهم السفر لمسافات طويلة لطلب الرعاية الطبية والحصول ‏عليها. وخلال موسم الأمطار، عندما تصبح الطرق غير سالكة، قد يضطر الناس للسفر لعدة أيام للوصول إلى المستشفى.‏

تيريزا، والدة ألوك (6 سنوات) كانت ابنتي تلعب في الخارج عندما لدغها ثعبان في قدمها. ظهرت على قدم ألوك آثار أنياب الثعبان وكانت تنزف من جرحها، ثم سرعان ما تورمت ساقها من الحوض. لم يكن بقربنا مستشفى في غوغريال، وعلمنا أن العلاج متوفر في أغوك. استغرقنا ليلة كاملة كي نصل إلى هنا.
Aluk Manut, a snakebite patient in the post-op ward

يروي الزعيم المحلي من قرية رامدونج، وهي قرية تقع على بعد ساعات قليلة سيرًا على الأقدام عن أغوك، كيف توفي رجل ‏هذا العام بعد تعرضه للدغة ثعبان لأنه لم يصل إلى المستشفى في الوقت المناسب. وفيما عولج شخصان آخران في تلك ‏القرية، من بينهم طفلة تبلغ من العمر 13 عامًا، من لدغات الأفاعي في مستشفى منظمة أطباء بلا حدود في العام الماضي.

إنها في الواقع مشكلة قديمة. قروي آخر – وهو رجل في السبيعنيات من عمره – يقول بأنه كان محظوظًا لأنه بقي على قيد ‏الحياة على الرغم من تعرضه للدغتي أفعتين مختلفتين في نفس الساق على مر السنين. أصبحت قدمه مشوهة الآن بشكل ‏سيء، ولكنه يتمتع بصحة جيدة، ولا يزال بإمكانه صيد السمك والعمل في الزراعة.‏

أحد أخطر الأمراض الفتاكة في العالم

يتعرض حوالي 5 ملايين شخص للدغ على مستوى العالم، ويموت حوالي 100,000 شخص بسبب لدغات الأفاعي كل ‏عام، منهم 30,000 في أفريقيا. ويوضح المسؤول الطبي  في منظمة أطباء بلا حدود، يعقوب تشول أتيم: "يأتي بعض ‏الأشخاص بعد فوات الأوان والبعض الآخر لا يأتي على الإطلاق، لذلك نحن لا نعرف في الواقع مدى العبء الذي تشكله ‏الثعابين بشكل كامل في المنطقة. لكننا نعلم أنها مشكلة كبيرة وأن الناس يفقدون حياتهم لأنهم لا يستطيعون الحصول على ‏العلاج".‏

لدغات الأفاعي هي مرض الفقراء، ولكن شركات الأدوية لا يهمها أن يصلهم العلاج وتصنّع المنتجات المدرة للربح فقط.

علاج بعيد المنال وباهظ السعر

ينبغي علاج التسمم بلدغات الأفاعي باستخدام مضادات السموم في معظم الحالات. ولكن مضادات السموم باهظة الثمن ‏وغير متوفرة في العديد من المرافق الصحية. ويمكن أن تكلف عدة مئات من الدولارات لعلاج أي مريض، أي ما يساوي أكثر ‏من راتب عام كامل بالنسبة للعديد من الأشخاص، ولا سيّما الذين يعيشون في المناطق الريفية، حيث يعيش معظم ضحايا ‏لدغات الأفاعي. ‏

لدغات الأفاعي هي مرض الفقراء، ولكن شركات الأدوية لا يهمها أن يصلهم العلاج وتصنّع المنتجات المدرة للربح فقط. في ‏السابق، كانت أطباء بلا حدود تستخدم مضادًا يدعى ‏FAV-Afrique، وهو مضاد الكل في واحد، والذي كان يستخدم ‏لعلاج التسمم بلدغات من عشرة أنواع مختلفة من الأفاعي في دول أفريقيا جنوب الصحراء الكبرى. لكن الشركة المصنعة ‏قررت التوقف عن إنتاجه وانتهت الدفعة الأخيرة في شهر يونيو/حزيران 2016. ونظرًا لعدم توفر ما يعادل هذا المضاد، ‏تعين على أطباء بلا حدود العثور على علاجات بديلة مناسبة. وبعد مرور عامين على ذلك، تستخدم الفرق الطبية التابعة ‏لأطباء بلا حدود في الوقت الحالي علاجين مضادين جديدين في جنوب السودان بنجاح: ‏EchitabPlus‏ و ‏SAIMR-‎Polyvalent‏. 

ووفقًا لـ أتيم: "كان الأمر في السابق أكثر وضوحًا ومباشرًا. كان بإمكاننا أن نعطي المضاد نفسه حتى لو لم نكن نعرف أي ‏ثعبان قد عض المريض. أما الآن، أصبح العلاج أكثر تعقيدًا، ونستخدم المضاد بناءً على الأعراض التي تظهر على ‏المريض. ولكن بشكل عام، نجح الأمر وهو لأمر مفرح أننا وجدنا بديلاً".‏

في حين أن هذه الأخبار سارة بالنسبة لمرضى منظمة أطباء بلا حدود في أغوك، إلا أنه ليس هو الحل لجميع ضحايا ‏لدغات الأفاعي، حيث يصعب على غير المتخصصين اختيار واحد من بين اثنين من مضادات السموم بناءً على ‏الأعراض. ينبغي أن يتم توفير مضادات السموم الفعالة ضد الثعابين السامة في أي منطقة معينة في كافة المنشآت الصحية، ‏ولكن ارتفاع سعر هذه المضادات الحيوية يمثل مشكلة بحد ذاتها. ‏

إنها حلقة مفرغة، إذ لا تشتري البلدان مضادات السموم لأنها باهظة الثمن وبالتالي لا تتوفر في المستشفيات، بينما شركات ‏الأدوية لا تصنعها بسبب قلة عدد المشترين. والنتيجة هي أن هذه المضادات تظل بعيدة عن متناول الناس الذين يحتاجون ‏إليها. ‏

يأتي بعض الأشخاص بعد فوات الأوان والبعض الآخر لا يأتي على الإطلاق، لذلك نحن لا نعرف في الواقع مدى العبء ‏الذي تشكله الثعابين بشكل كامل في المنطقة.‏ يعقوب تشول أتيم، المسؤول الطبي في منظمة أطباء بلا حدود

مضادات السموم ليست كافية دائمًا

يكون علاج لدغات الأفاعي أكثر صعوبة عندما يصل الضحايا متأخرين إلى المستشفى حتى مع مضادات السموم. إذ يمكن ‏أن تتسبب التأخيرات بمزيد من الضرر، بما في ذلك "متلازمة الحيّز"، عندما يؤدي التورم الناجم عن السم إلى زيادة الضغط ‏داخل حيّز العضلات، لدرجة أن الدم لا يستطيع تزويد العضلات والأعصاب بالأكسجين والمواد المغذية. وفي حال تُركت ‏بلا علاج، تفشل العضلات ويمكن أن تموت في نهاية الأمر. ‏

وبمجرد حدوث متلازمة الحيّز، تكون الجراحة هي الحل الوحيد. وفي معظم الحالات الشديدة، قد يكون الضرر كبيرًا جدًا ‏لدرجة أن يفقد المريض القدرة على استخدام أطرافهم أو قد يحتاجون إلى بترها. ويقدر عدد الأشخاص الذين يصابون بالتشوه ‏أو الإعاقة في كل عام بحوالي 400,000 شخص على مستوى العالم نتيجة لدغات الأفاعي.‏

طريق طويل نحو العلاج

تمكث أوين في المستشفى منذ شهرين حاليًا. وقد كانت بحالة حرجة عندما وصلت، وتم علاجها بثلاث جرعات من ‏مضادات السموم. خلال الأيام الخمسة الأولى، كانت غير واعية، ولكنها استيقظت في النهاية وبدأت حالتها تتحسن. لقد ‏أجرت العديد من العمليات الجراحية لإزالة الأنسجة الميتة، لأن العضلات الموجودة في ذراعها قد تضررت بشكل لا يمكن ‏إصلاحه نتيجة لمتلازمة الحيّز. ‏

قد يبدو سماع العملية الجراحية التاسعة عشر وكأنه أمر فظيع، لكن أسرتها لم ترغب في بتر ذراعها وطلبت من الفريق ‏الطبي بذل كل ما في وسعهم لإنقاذها. كانت أوين محظوظة لأنها تمكنت من الحصول على العلاج؛ وهو ليس هو الحال ‏بالنسبة للآخرين الذين لا حصر لهم.‏

المقال التالي
لدغات الأفاعي
بيان صحفي 23 مايو/أيار 2019