رافقت آداما ابنتها مريم الحامل في شهرها الأخير إلى المستشفى الذي تدعمه منظمة أطباء بلا حدود في دوينتزا في إقليم موبتي، الواقع وسط مالي لتضع مولودها بمساعدة القابلات. تسكن آداما وابنتها في ضواحي المدينة، على مسافةٍ بعيدة من المستشفى، ولم تكن رحلتهما إلى داخل المدينة بالرحلة السهلة.
تقول آداما، "منذ اندلعت الأزمة ونحن نخشى أن نتعرّض للسرقة أو الاعتداء ونحن على الطريق.... فقد الكثيرون حياتهم على هذه الطرقات. إذا واجهك اللصوص ولم تكن تحمل مالاً فإنهم يضربونك. لقد حدَّت الأزمة من حريتنا إلى حدٍ كبير".
الأزمة في وسط مالي
بدأت الأزمة التي ذكرتها آداما في شهر مارس/آذار 2012، حين احتلت جماعات مسلحة غير نظامية شمالي مالي أثناء قتالهم ضد الدولة والجيش المالي. وفي عام 2015 -على الرغم من توقيع معاهدات سلام- انتقل النزاع إلى وسط مالي، وهي المنطقة التي أصبحت مركزاً لانعدام الاستقرار والعنف الدائر في البلاد.
وليست أعمال العنف التي تقوم بها الجماعات المسلحة غير النظامية في موبتي هي السبب الوحيد لحالة عدم الاستقرار، فقد أضيف إلى هذه الأعمال في بعض المناطق نزاعات محلية بين السكان من مجموعات الفولاني والتي تعتمد في حياتها على ما تملكه من المواشي، ومجموعات الدوغون والتي يعمل معظم أفرادها بالزراعة.
ما تزال العمليات العسكرية جارية في إقليم موبتي منذ عدة أشهر مدعومة بقواتٍ مسلحة فرنسية وأخرى تابعة للأمم المتحدة بالإضافة إلى مجموعة "خمسة بالساحل" (ج.5 الساحل)خمسة بالساحل أو ج.5 الساحل هي إطار للتعاون أسسته في عام 2014 خمسة دول هي (بوركينا فاسو ومالي وموريتانيا والنيجر وتشاد) للتعاون في مجالي التنمية والأمن.. كما قامت السلطات العسكرية المالية بفرض عددٍ من الإجراءات والأوامر العامة بما فيها حظر التجول ومنع السفر على الدراجات النارية وعربات البيك أب ذات العجلتين.
صعوبة الوصول إلى المراكز الصحية
لقد اجتمعت كل هذه العوامل فحدت من حركة السكان وجعلت من الصعب الحصول على الرعاية الصحية حين يحتاجونها.
أحضر عثماني طفله سميلا البالغ من العمر 5 سنوات إلى دوينتزا لمعالجته من إصابة حادة بالملاريا، وهو يقول، "الأمر صعب لأنه ليس لدينا أي فريقٍ طبي في قريتنا وأقرب مركزٍ صحي يبعد عنا مسافة 15 كيلومترا. لقد تمكنا من الوصول بصعوبة راكبين عربة".
اضطرت العديد من المنظمات التي تقدم الرعاية الصحية، بما فيها الهيئات التي تقدم الخدمات الطبية العامة وهيئات الإغاثة، إما إلى تقليص خدماتها بسبب أعمال العنف وانعدام الأمن أو إلى مغادرة المنطقة بشكل كامل، وخاصةً المناطق الريفية التي تبلغ فيها النزاعات درجة كبيرة من الحدة.
حتى اليوم ما زلت أشعر بالرعب بسبب ما مررنا به. أثناء الليل، أرى تلك المناظر ذاتها تتكرر في ذاكرتي. لم أعد أريد العودة إلى قريتي.كاسيه تيوتيه، نازحة إلى ديافاربيه
الأحوال الجوية وأعمال العنف تفاقم الوضع الصحي
يعمل فريق أطباء بلا حدود في دوينتزا منذ عام 2017 للتأكد من حصول الفئات الأكثر حاجة من السكان على الرعاية الصحية المجانية. في مستشفى دوينتزا لاحظ الأطباء أن المرضى يصلون عادةً بعد تفاقم المشاكل الصحية التي يعانون منها.
يوضح منسق مشروع أطباء بلا حدود في دوينتزا، باداماسي عبدراحيمون، "يصل المرضى في مرحلة متأخرة خصوصاً بسبب الصعوبات المتعلقة بانعدام الأمن والخوف وبعد المسافة، حيث لا يحاول المريض الذهاب إلى المركز الصحي إلا بعد أن يصبح وضعه الصحي خطيراً فعلاً. ولهذا فكثيراً ما نجد صعوبةً في معالجة هؤلاء المرضى وذلك لأنهم يأتون إلينا في مرحلةٍ متقدمةٍ جداً من المرض".
الوضع ذاته يواجهه أيضاً فريق أطباء بلا حدود الذي يدعم مستشفى تينينكو الواقعة غرب إقليم موبتي قرب نهر النيجر، حيث يفيض النهر وروافده بصورةٍ متكررة خلال فصل تساقط المطر مما يعزل العديد من القرى ويجعل السفر شبه مستحيل. ووفقاً لرئيس بعثة أطباء بلا حدود في مالي فريدريك ديمالفوازين، فإن "الحد من القدرة على التنقل الذي يتسبب به انعدام الأمن السائد اليوم يزيد من العوائق التقليدية والمستمرة التي تتصاعد في الفصل المطير. في كل عام بين شهرَي يوليو/تموز وديسمبر/كانون الأول تصبح المنطقة برمّتها حتى أكثر انعزالاً من المعتاد ومقطوعة عن كافة الطرق التي تصلها بالمناطق الأخرى بسبب الفيضانات".
مالي
لا تزال فرص الحصول على الرعاية الطبية محدودة للغاية في شمال ووسط مالي نظراً لغياب الطواقم والإمدادات الطبية في ظل استمرار الاشتباكات الدائرة بين المجموعات المسلحة رغم اتفاق السلام.
فكثيراً ما نجد صعوبةً في معالجة هؤلاء المرضى وذلك لأنهم يأتون إلينا في مرحلةٍ متقدمةٍ جداً من المرض.باداماسي عبدراحيمون، منسق مشروع أطباء بلا حدود في دوينتزا
فرق أطباء بلا حدود توفر الرعاية الصحية حيث تمسّ الحاجة إليها
استجابةً لهذا الوضع ترسل أطباء بلا حدود فرقها الطبية إلى المناطق النائية للوصول إلى السكان الذين تقطعت بهم سبل الوصول إلى الرعاية الصحية. في مقاطعة دوينتزا، وسَّعت أطباء بلا حدود أنشطتها لتشمل ثلاثة مراكز صحية في ثلاث مناطق في الضواحي وهي بوني وهومبوري وموندورو حيث كثيراً ما لا يتمكن السكان من السفر إلى دوينتزا بسبب القتال الدائر. وقد قدمت فرق أطباء بلا حدود الطبية بين شهري أغسطس/آب 2018 و يناير/كانون الثاني 2019 أكثر من 21800 استشارة طبية في هذه المراكز الثلاثة.
أما في مقاطعة تينينكو فتُسيِّر المنظمة عياداتٍ متنقلة لتقديم الرعاية الصحية الأساسية وترتيب إجراءات نقل المرضى ذوي الحالات المرضية الشديدة إلى مستشفى تينينكو.
تسافر هذه الفرق الطبية مثلاً بصورة منتظمة إلى منطقة ديافارابيه، جنوب تينينكو حيث استقر مئات من النازحين منذ نوفمبر/تشرين الثاني الماضي بعد هجومٍ شنَّه مسلحون على قرية مامبا وقُتِل فيه حوالي 11 حسب التقارير.
تستذكر كاسيه تيوتيه وهي إحدى الذين فروا إلى ديافاربيه ما حدث في ذلك اليوم من نوفمبر/تشرين الثاني قائلة "في أحد الأيام، أتى إلى القرية رجالٌ مسلحون وقتلوا 11 شخصاً. فرّ العديدون في التو واللحظة متجهين إلى ديافارابيه. هربتُ مع طفلي وحماتي وأخواتي وأصابنا المرض جميعاً. حتى اليوم ما زلت أشعر بالرعب بسبب ما مررنا به. أثناء الليل، أرى تلك المناظر ذاتها تتكرر في ذاكرتي. لم أعد أريد العودة إلى قريتي".
يبدو أن التحديات سوف تبقى كبيرة في الأيام المقبلة، ومنظمة أطباء بلا حدود تخطط للاستمرار بإرسال فرقها الطبية إلى السكان المعزولين والمحرومين من الرعاية الصحية بسبب تدهور الوضع الأمني.