يشكّل المختص اللوجستي والعامل الصحي المجتمعي في منظّمة أطبّاء بلا حدود لابانا ستيفن جزءاً من فريق الطوارئ الذي يعمل في منطقة ماخانغا في ملاوي والمعني بدعم آلاف الأشخاص المتضرّرين من الفيضانات الشديدة من خلال تزويدهم بالإمدادات الصحيّة ولوازم المياه والصرف الصحي.
في الواقع، كانت منطقة ماخانغا إحدى أكثر المناطق تضرراً من الأمطار الغزيرة التي شرعت بالهطول في مالاوي مطلع مارس/آذار. وساءت الأحوال الجوية كثيراً لتتحوّل إلى إعصار إيداي الذي ضرب موزمبيق وزيمبابوي بين 14 و16 مارس/آذار 2019، ويُعتبر هذا الإعصار من أسوأ الأعاصير المدارية التي عصفت بجنوب أفريقيا حتّى يومنا هذا.
وسبق وشارك لابانا الذي يعمل مع منظّمة أطبّاء بلا حدود في ملاوي منذ 20 عاماً في استجابة المنظّمة للفيضانات الشديدة في المنطقة نفسها عامَي 2008 و2015. ويُعتبر فهمه التاريخي وانخراطه العميق مع الشركاء المحليين والمجتمعات المحلية في جنوب ملاوي عنصرَين أساسيَين في استجابتنا المستمرة.
المنطقة منخفضة ومسطحة ومُحاطة بنهر شاير ورافده ريو، وبالتالي تبدو أشبه بالجزيرة. ويعرّض ذلك المنطقة إلى للفيضانات بشكل كبير.لابانا ستيفن، اختصاصي لوجستي وعامل في الصحة المجتمعية
وتجدر الإشارة إلى أن منطقة ماخانغا الخصبة جداً تُشكّل موطناً لحوالى 18,000 شخصاً يربون المواشي ويزرعون المحاصيل مثل الذرة والأرز.
ويُردف لابانا قائلاً، "إن هطلت الأمطار في منطقة مولانجي القريبة أو تدفقت مياه النهر بالاتجاه المعاكس في مدينة بلانتير، يفيض نهر ريو ثمّ تضحي المنطقة في خطر. وإن هطلت الأمطار داخل البلد وفاض نهر موانزا، يفيض نهر شاير بدوره لتضحي المنطقة بأكملها في خطر أيضاً". ألحقت الأمطار الغزيرة في مطلع مارس/آذار الأضرار في المناطق الجنوبية، ما جعل المنطقة بأكملها مغمورة بالمياه طوال أسابيع".
الدروس المستفادة من الفيضانات السابقة
إن الدروس التي تعلمها لابانا خلال الاستجابة للفيضانات الشديدة السابقة في ماخانغا عامَي 2008 و2015 تخدم جهود الاستجابة الطارئة الحالية التي تضطلع بها المنظّمة.
ويقول لابانا، "حدّدنا عام 2015 المناطق الأكثر خطورةً وعرضةً للفيضانات بغية تركيز استجابتنا، واخترنا الأشخاص الذين سنعمل معهم عن كثب في المجتمع المحلي".
من هنا، سمحت العلاقات مع هؤلاء الأشخاص للمنظّمة بالتحرّك بسرعة عندما شرعت الأمطار الغزيرة بالهطول، وبتقييم الوضع والتخطيط لاستجابة فورية مع المجتمع المحلي الذي سبق واختبر كيفية توزيع مواد الإغاثة.
ويقول لابانا، "خلال الاستجابات السابقة للفيضانات، تبادلنا معلومات بشأن كيفية إيجاد المحتاجين إلى الرعاية الطبيّة وإعطائهم الأولوية". توفي عام 2015 الكثير من الأشخاص في هذه المنطقة، ولكن هذا العام، أزهقت الفيضانات عدد أقلّ من الأرواح لأن الناس أصبحوا يعرفون الآن أين يجدون الأراضي المرتفعة".
خلال الفيضانات الأخيرة، غمرت المياه بشدّة مركز ماخانغا الصحي ولكن خبرة المنظّمة المكتسبة في التصدي للفيضانات السابقة أثبتت مجدداً أنها مفيدة.
ويتابع لابانا قائلاً، "غرقت الكثير من الأدوية عام 2015 في مياه الفيضانات، ما تسبّب بتلفها. ولذلك، رفعت فيما بعد منظّمة أطبّاء بلا حدود مستوى الرفوف لتكون الأدوية في مأمن من المياه، وبالتالي لم يتلف مخزون الأدوية هذه المرة".
نقص الأغذية والمياه النظيفة
من الصحيح أن عدد قليل من الأرواح أُزهق في فيضانات عام 2019، ولكن الضرر الذي لحق بالمنازل والمحاصيل كان هائلاً.
فيقول لابانا في هذا السياق، "لم نخسر المحاصيل فقط، بل الطعام المُخزّن في المنازل في منطقة كانت تحتاج إلى الدعم حتى قبل ظهور الفيضانات فيها. لقد أسهمت الفيضانات في زيادة الجوع الشديد المنتشر أساساً في المنطقة".
بالإضافة إلى ذلك، غمرت مياه الفيضانات أيضاً الآبار ودمّرت المراحيض، وبما أن الآلاف يقضون حاجتهم في العراء، فإن خطر تفشي الأمراض المنقولة بالمياه مثل الإسهال والكوليرا مرتفع للغاية. ويقول لابانا إن المستنقعات المتعدّدة في المنطقة تشكّل أرضاً خصبة للبعوض، ما يعرّض الناس لخطر الإصابة بالملاريا.
ويُتابع لابانا بقوله، "الناس هنا بحاجة ماسة حالياً إلى الخدمات الصحية، وينام الكثير منهم في العراء أو في حظائر الدواجن لأن منازلهم تدمّرت".
وتلوثت الآبار في مركز ماخانغا الصحي بفعل مياه الفيضانات ولكن موظفي المنظّمة تمكّنوا من تنظيفها والحرص على أن المياه آمنة للاستخدام. أمّا في الأماكن الأخرى، فتعمل فرق المياه والصرف الصحي التابعة للمنظّمة على توزيع الكلور وتنظيف مراكز توزيع المياه وبناء المراحيض والحمامات. إذ "ينصبّ اهتمامنا على منع تفشي الأمراض كالإسهال والكوليرا".
تحديات الحصول على الرعاية الطبيّة
دفعت الفيضانات في ماخانغا معظم العاملين الصحيّين في المدينة إلى التوجّه إلى الأراضي المرتفعة في الشمال لدواعي السلامة، ما ترك العاملين الصحيّين القليلين المتبقين تحت ضغط شديد".
ويضيف لابانا إنه في البدء، لم يكن هناك سوى مساعد طبّي واحد من وزارة الصحة وممرض واحد. ومن أجل دعمهما، يقدّم موظفان من منظّمة أطبّاء بلا حدود الرعاية الصحيّة الأساسيّة وخدمات علاج فيروس نقص المناعة البشري ومراقبة الأمراض خلال حوالى 150 استشارةً يومياً. والآن، أصحبت المنظّمة تعاين الكثير من حالات عدوى الجهاز التنفسي والملاريا.
وأنشأ فريق المنظّمة، بالعمل مع السلطات الصحية في ملاوي، عيادة خارجية لضمان توفير خدمات الرعاية الصحيّة الأساسيّة وحصول المرضى الذين يعانون من أمراض مزمنة، تشمل فيروس نقص المناعة البشري والسل، والذين خسروا أدويتهم بفعل الفيضانات، على الأدوية.
ويختم لابانا قائلاً، "تُقدّم منظّمة أطبّاء بلا حدود الرعاية الصحيّة والمياه وخدمات الصرف الصحي وتوزّع مواد الإغاثة الأساسيّة ولوازم النظافة الصحيّة، ولكننا نتطلع إلى رؤية المزيد من المنظّمات تستجيب في مناطق لا يسعنا التحرّك فيها، وتعمل على توفير الطعام مثلاً. واستشرافاً للمستقبل، إن مجتمع ماخانغا المحلي سيحتاج إلى المزيد من الدعم".
توقف هطول الأمطار التي بدأت في مطلع مارس/آذار في المناطق المتضرّرة من الفيضانات في جنوب ملاوي وتتحسّن حالياً إمكانية الوصول إلى المناطق المغمورة بالمياه. وتسبّبت الفيضانات حتى يومنا هذا بمقتل 59 شخصاً وجرح 677 شخصاً ونزوح 87,000 شخصٍ إلى مخيمات (بحسب مكتب تنسيق الشؤون الإنسانيّة، 22 مارس/آذار). وتُعتبر ماخانغا إحدى أكثر المناطق تضرراً ولا تزال جزيرة معزولة بالكامل بالرغم من إعادة تزويدها بالكهرباء مجدداً.
في حين يحتمي حالياً آلاف الأشخاص في المدارس والكنائس والمخيمات المؤقتة للنازحين، بدأ البعض بالعودة إلى ديارهم لإعادة بناء منازلهم. ولحقت أضرار جسيمة بالمزروعات والحيوانات بحيث بلغت نسبة المحاصيل التالفة 50 بالمئة. ويعمل حالياً فريق تابع لمنظّمة أطبّاء بلا حدود مؤلف من 18 شخصاً مع السلطات المحلية والمجتمعات المحلية ووزارة الصحة لتلبية احتياجات ما يُقدّر بنحو 18,000 شخصٍ في ماخانغا بفضل الإمدادات الصحية وغير الغذائية ولوازم الصرف الصحي.