تجلس خديجة إيبا على حصيرة ملوّنة في قاعة الانتظار التابعة لمركز التغذية العلاجية الذي شيّدته أطباء بلا حدود داخل مركز صحي في ماساكوري، وهي بلدة صغيرة تقع على حزام الساحل في تشاد. وقد اضطرت والدة الستة أطفال إلى المشي لساعتين لتحصل طفلتها الصغرى سارة التي تبلغ من العمر تسعة أشهر على استشارة متابعة، إذ أُدخلت سارة ضمن برنامج التغذية التابع لأطباء بلا حدود منذ شهر.
وقد تلقّت خديجة علبًا حمراء زاهية من جوز التسمين تكفيها لأسبوع إثر تقييم أجراه الطاقم الصحي في أطباء بلا حدود، وستطعمه لطفلتها إلى حين حلول موعد التقييم التالي في الأسبوع المقبل. ويتمثّل جوز التسمين في معجون الفول السوداني عالي الطاقة الذي يستخدم في علاج سوء التغذية.
إنّها أزمة متواصلة... ولكن في الوقت نفسه، انخفض التمويل المخصّص للتغذية في تشاد. لذلك، نحن بحاجة إلى استجابة أفضل للحؤول دون وفاة الأطفال جراء سوء التغذية.إبراهيم باري، رئيس الفريق الطبي في أطباء بلا حدود
سوء التغذية: أزمة مزمنة
أطلقت فرق أطباء بلا حدود استجابة لسوء التغذية في مقاطعة حجر لميس في تشاد في سبتمبر/أيلول 2021، إثر تلقّي إنذار حول وجود عدد كبير من حالات سوء التغذية الحاد الشديد في المنطقة - أكثر من 28,000 حالة متوقّعة لعام 2021 – وتلقّي معلومات تفيد بأنّ واحدًا فقط من المرافق الصحية في المقاطعة من أصل خمسة كان يتلقّى الدعم.
ويعدّ سوء التغذية أزمة مزمنة ومتكرّرة في تشاد، وتؤثّر بشكل خاص على الأطفال دون سن الخامسة والنساء الحوامل والمرضعات. كما تعدّ أسباب سوء التغذية معقّدة وتشمل ضعف المحاصيل والخيارات الغذائية غير المناسبة، بالإضافة إلى عوامل اجتماعية وثقافية أخرى. وقد تفاقم الوضع في عام 2021 جراء قصر موسم الأمطار على نحو غير عادي.
وفي هذا الصدد، تقول خديجة، "لقد تساقطت الأمطار بالكاد في العام الماضي وكان الوضع أسوأ من أي عام آخر، إذ أنّنا لم نحصد أيّ شيء تقريبًا. لذلك، علينا شراء الخضروات من السوق ولكن الأسعار قد تضاعفت حوالي مرتين وليس لدينا الآن ما يكفي من الطعام".
نحن خائفون من المستقبل. كل ما يمكننا فعله هو انتظار موسم الأمطار المقبل، ولكن لا نعلم ما الذي يمكننا فعله إذا تخلّت الأمطار عنّا مرة أخرى.عثمان أباكار، قروي يعيش قرب ماساكوري، تشاد
نقص المياه يفاقم الأزمة
لا يعدّ انعدام الأمن الغذائي مصدر القلق الوحيد للأشخاص الذين يعيشون في هذه المنطقة القاحلة والوعرة، إذ يعدّ نقص المياه مصدر قلق أكبر.
وتقول خديجة محمد، "لدينا بئران في قريتي، ولكنّهما لا يكفيان لجميع الناس والحيوانات. عليّ أن أضخّ لخمس أو ست دقائق للحصول على المياه. كما أنّ طعم المياه سيء، لذلك نضطرّ إلى إعطائه للحيوانات في معظم الأحيان. وللحصول على المياه الصالحة للشرب، أتوجّه إلى قرية أخرى على متن الحمار، ويستغرق وصولي إلى هناك ساعة ونصف".
وتؤدّي نوعية المياه السيئة إلى الإصابة بالإسهال وبمشاكل صحية أخرى، ما يزيد من خطر إصابة الأطفال بسوء التغذية.
كيف تستجيب أطباء بلا حدود للأزمة
تعالج أطباء بلا حدود الأطفال في مراكز التغذية العلاجية في سبعة مرافق صحية في المقاطعة وتدعم علاج الأطفال المصابين بسوء التغذية الشديد في مستشفى ماساكوري. كما تزور فرقنا القرى النائية في المنطقة وتعلّم الأمهات كيفية الوقاية من سوء التغذية بين الأطفال والكشف عنه. ويعلّم العاملون في مجال التوعية الميدانية الأمهات كيف يستخدمن شريط قياس محيط منتصف الذراع وهو عبارة عن شريط ورقي ملوّن يتمّ لفّه حول الذراع لتحديد ما إذا كان الطفل في صحّة جيّدة أو إذا كان يعاني من سوء التغذية الخفيف أو الشديد.
عندما تصل فرقنا إلى هذه المناطق، لا تجد سوى النساء والأطفال وكبار السن من الرجال في معظم الأحيان، إذ يغادر الرجال الأصغر سنًا للعثور على عمل في مناطق أخرى من تشاد أو الدول المجاورة على غرار الكاميرون والنيجر وليبيا. ويأخذ البعض الآخر مواشيهم إلى جنوب البلاد بحثًا عن مراعٍ أفضل.
وسيعود معظم الرجال مع حلول موسم الزراعة التالي، إذ تعدّ هذه الهجرة المؤقتة آلية تكيف معتمدة منذ وقت طويل، ولكن وفقًا لعثمان أباكار غادر الرجال الأصغر سنًا في وقت أبكر هذا العام جراء ضعف المحاصيل.
وفي هذا الصدد، يقول عثمان، "نحن خائفون من المستقبل. كل ما يمكننا فعله هو انتظار موسم الأمطار المقبل، ولكن لا نعلم ما الذي يمكننا فعله إذا تخلّت الأمطار عنّا مرة أخرى".
وقد تلقّت أطباء بلا حدود الإنذار في وقت متأخّر نسبيًا أي عقب انقضاء المرحلة الأكثر حدة من سوء التغذية في حجر لميس. وفي حين عالجت فرقنا أكثر من 1,600 طفل في مركز التغذية العلاجية لمرضى العيادات الخارجية خلال الأسابيع الـ 15 الأولى من أنشطتنا، تستعدّ فرقنا للموجة المقبلة.
الخوف من المستقبل
يقول رئيس الفريق الطبي في أطباء بلا حدود، إبراهيم باري، "هناك تخوّف من أنّ الأسوأ لم يأتِ بعد وأنّ الوضع قد يكون أكثر شدة وقد يستمرّ لفترة أطول. إنّها أزمة متواصلة، ولا يمكن اعتبارها مجرّد فجوة جوع بعد الآن".
تعدّ منطقة الساحل إحدى أكثر المناطق عرضة لخطر التغير المناخي في العالم مع ارتفاع درجات الحرارة وهطول الأمطار بشكل غير منتظم وارتفاع نسبة التصحّر. فخلال السنوات العشرة الأخيرة، امتدّت المناطق الصحراوية ومناطق الساحل في تشاد 150 كيلومترًا جنوبًا، وأدّى ذلك إلى نقص المناطق الزراعية والمراعي.