Skip to main content
Aquarius SAR: Winter conditions and high seas

كيف يمكننا ايقاف نزيف الموت في البحر الأبيض المتوسط

يقترب عدد الضحايا الذين ماتوا وهم يحاولون عبور البحر المتوسط للوصول إلى أوروبا من أعلى مستوياته، ليصبح قريباً من معدّل الضحايا الذي تشهده منظمة أطباء بلا حدود في مناطق الحرب، حيث سجلّت وكالة الهجرة التابعة للأمم المتحدة غرق 5,079 شخصاً على الأقلّ العام الماضي.

ومن المرجّح أن يكون العدد الحقيقي للضحايا أكبر بكثير، فلا أحد يعرف عدد القوارب المطاطية المكتظّة بالمهاجرين الخائفين الذين يغادرون من ليبيا باتجاه إيطاليا يومياً، وعدد الذين يغرقون منهم دون أن يتركوا أيّ أثر قبل أن يبلغوا الممرات الملاحية المزدحمة في البحر المتوسط، أو يطلبوا المساعدة.

وبموجب القانون الدولي البحري فإنّ على جميع السفن في المنطقة مساعدة الناجين في البحر ونقلهم إلى برِّ الأمان، سواء كانت سفناً تجارية، أو عسكرية أو قوارب إنقاذ تديرها المنظمات الإنسانية كمنظمة أطباء بلا حدود. ولكنّ المهاجرين يغرقون مع قواربهم ويختفون إذا لم يتمّ العثور عليهم في الوقت المناسب. وتجرف الأمواج بعض الجثث إلى شاطئ شمال إفريقيا، أو تعلق في شباك الصيادين بعد أسابيع من غرقها.

وتعتبر استعادة جثث الرجال والنساء وحتّى الأطفال الصغار الغارقين من أصعب الأمور التي تواجهها فرق البحث والإنقاذ في البحر المتوسط. حيث يتأكّد أطباء المنظمة بشكلٍ قاطع من تجاوز الغارقين مرحلة الإنعاش، وعدم وجود أيّ أملٍ في إعادتهم إلى الحياة. ثم تقوم فرق الإنقاذ بنقل الجثث إلى سطح السفينة، وتقدير أعمار الغارقين والتقاط الصورّ لكلّ منهم قبل تسليمهم إلى السلطات الإيطالية.

وتنصّ القوانين البحرية على أنّه في حالة الموت في البحر، يجب الاحتفاظ بكلّ الممتلكات الشخصية بعناية مع الضحيّة، ولكنّنا لا نجد أيّ شيءٍ بجوزة الضحايا غالباً، ولا حتّى أحذيتهم. لكنّنا نقوم بالتفتيش في حال وجدنا اسماً أو رقم هاتف مكتوب بالحبر على ملابسهم، ونادراً ما نشهد ذلك، لذلك يسجّل أطباء المنظمة شهادة الوفاة باسم مجهول. ويبقى الكثير من هؤلاء الأفراد مجهولين إلى الأبد، بينما تنتظر عائلاتهم بقلق اتصالاً هاتفياً لن يأتي.

أمّا الأشخاص الذين يتمّ انتشالهم من البحر وهم أحياء فيحتاجون إلى علاج انخفاض حرارة الجسم، والجفاف أو الحروق الكيميائية الناجمة عن تسرّب الوقود. وتشهد العلامات التي نراها على أجسامهم على المستوى المقلق من العنف والاستغلال الذي شهدته الأغلبية الساحقة من المهاجرين في ليبيا وعلى طول طريق الرحلة.

وأتذكّر منهم إحدى النساء التي كانت قد فقدت أسنانها الأمامية، وامرأةً أخرى تعرّضت للضرب على الرأس حتى ثُقبت طبلة أذنها. كما نرى الكثير من الأشخاص المصابين بالكسور، وسوء التغذية، والندوب التي خلّفها التعذيب، والناجون من العنف الجنسي، وجروح الأعيرة النارية الملتهبة والحمل غير المرغوب.

Aquarius SAR: Winter conditions and high seas

ولا نرى أيّ بوادر تحسّن في الوضع داخل ليبيا، حيث تسود الفوضى السياسية، والانهيار الاقتصادي وغياب النظام والقانون. كما يستمرّ القتال في عدّة مناطق من البلاد، ولا يستطيع الكثير من المهاجرين واللاجئين العودة إلى بلدهم، أو الحصول على الحماية نتيجة عدم وجود نظام فعال للجوء، والدور المحدود للمفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين، وغياب التشريعات الصارمة في ليبيا لحماية هؤلاء الأشخاص. لذلك لا يرى المهاجرون بدّاً من عبور المتوسط في محاولة لبلوغ برّ الأمان الأوروبي. 

وكانت أعداد الغارقين في البحر قد شهدت ارتفاعاً ملحوظاً نتيجة جهود الاتحاد الأوروبي لتقليلها عبر زيادة ضبط الحدود، وزيادة الانتشار العسكري، والتركيز على تفكيك شبكات التهريب. ولكنّ شبكات تهريب البشر الإجرامية كيّفت وسائل عملها بسرعة، ليصبح عبور البحر أكثر فتكاً. ولا يعتبر تدريب خفر السواحل الليبي على اعتراض قوارب المهاجرين في البحر وإعادتهم إلى ليبيا الحلّ الأنسب مع سجلّه المعروف في مجال حقوق الإنسان. حيث يعاني الأشخاص الذين تتمّ إعادتهم إلى ليبيا من الاعتقال التعسفي لفتراتٍ طويلة في ظروف غير إنسانية وغير صحيّة، وذلك دون أيّ مجالٍ لمناقشة عدم شرعية اعتقالهم، وهم معزولون عن العالم، ويتعرضون للمعاملة السيئة ويفتقدون الرعاية الطبية.

ويجب أن يشمل أيّ حلٍّ لإيقاف موت البشر في البحر المتوسط على هذا النطاق الواسع تقديم بدائل عملية. فيجب على الاتحاد الأوروبي العمل بشكل ٍعاجل على توفير القنوات الشرعية والآمنة لطالبي اللجوء الإنساني، وأنّ يفتح معابر شرعية للهجرة تنظّمها برامج دخول شرعي، كلمّ الشمل العائلي، وتأشيرات الدخول الإنسانية، وتبسيط متطلبات تأشيرة الدخول، وإعادة التوطين والنقل. وعند حدوث ذلك لن يلجأ الراغبون بالعمل أو العيش الآمن في أوروبا إلى مهربي البشر، وسيتمكنون من ذلك بطريقة شرعية.

ويجب كذلك تمكين من لديهم أسباب شرعية لطلب اللجوء أو فرص عمل حقيقية من ركوب الطائرة ودخول البلاد بكلّ بساطة بدلاً من خوض رحلاتٍ مضنية ومحفوفة بالمخاطر، أو المخاطرة بحياتهم في البحر. ويجب على العالم أن يعرف أن مشهد الغرق الجماعي في البحر المتوسط سيستمر حتّى وضع حلٍّ شامل لهذه المأساة البشرية.

المقال التالي
الهجرة عبر البحر الأبيض المتوسط
تحديث حول مشروع 2 ديسمبر/كانون الاول 2016