Skip to main content
Samos new centre

"لا يسعنا سوى مساعدة مرضانا على البقاء على قيد الحياة" في مخيم ساموس الجديد

سيفتتح الاتحاد الأوروبي والحكومة اليونانية غدًا مركزًا جديدًا لطالبي اللجوء في منطقة نائية بالكامل تًسمّى "زيرفو" على جزيرة ساموس اليونانية. وممّا لا شك فيه أنّ هذا المركز لن يؤدي إلا إلى استمرار الإذلال والتهميش بحق أشخاص يحاولون التماس الحماية في الاتحاد الأوروبي، إذ أُنفقت الملايين على بناء هذه المنشأة التي تخضع لأنظمة مراقبة متقدمة وتحيط بها أسلاك شائكة عادةً ما تُستخدم لأغراض عسكرية.

وقد بُذلت كل هذه الجهود في سبيل احتجاز أشخاص ذنبهم الوحيد أنّهم يبحثون عن الأمان والاستقرار. ومع رفض عدد هائل من طلبات اللجوء، بات هذا المركز خير برهان على رفض أوروبا الكامل للاجئين ولحقّهم في اللجوء. 

وعلى مدار الأشهر الأخيرة، عبّر المرضى الّذين يقصدون عيادة منظمة أطباء بلا حدود في ساموس عن خوفهم الكبير من احتجازهم في المركز الجديد، إذ شعروا بالعجز وبتخلي الجميع عنهم. وأما الأشخاص الّذين قاسوا التعذيب، فلا يحرمهم هذا المركز الّذي يخضع لسيطرة مشددة من الحرية فحسب، بل يعيد إحياء تجارب مريرة عاشوها في الماضي.

لا نستطيع أن نعالج المرضى بشكل فعال إلا إذا أمنت أوروبا واليونان بدائل مناسبة للمخيمات. هذا ولا بد من تغيير إجراءات الهجرة لتصبح إجراءات عادلة تحترم الإنسان.

هذا ويعاني أغلب المرضى الّذين يتلقون خدمات الصحة النفسية في ساموس من أعراض الاكتئاب واضطراب ما بعد الصدمة. وبين أبريل/نيسان وأغسطس/آب 2021، شهدنا حالات صادمة في العيادة النفسية، إذ بلغت نسبة المرضى الّذين يفكرون في الانتحار 64 في المئة ونسبة المرضى الذين قد يقدموا فعلًا على الانتحار 14 في المئة.

وفي خضم عملنا كاختصاصيين نفسيين، نشهد يوميًا تردي الصحة النفسية والجسدية للأشخاص الّذين يعانون بشكل مباشر من سياسات الهجرة المشددة التي تفرضها أوروبا. ومع افتتاح مخيم الاعتقال هذا، ستتغير هوية اللاجئين الجماعية وسيتراجع تقديرهم لذاتهم، كما ستتزعزع صورتهم، ما يعني انهم سيجردون من كرامتهم. إنّ أوروبا آخذة في تدمير هؤلاء الأشخاص.

ماذا يسعنا أن نقول ليافع أُجبر على البقاء في مركز يشبه السجن مع أنّه لم يرتكب أي جريمة؟ لقد أجبر شاب من مالي في التاسعة عشر من عمره على مغادرة منزله منذ بضع سنوات بسبب ما قاساه من تعذيب وهو الآن عالقٌ في ساموس منذ عامين. بدأ هذا الشاب رحلته نحو أوروبا أملًا بحياة أفضل وسعيًا للأمان. لكنه يعاني الآن من إحباط شديد، ويتساءل عن مغزى وجوده. علاوة على ذلك، أدى خوفه من المركز الجديد إلى ردود فعل نفسية وعاطفية عديدة. فإلى متى يمكنه أن يكابد كل هذا الألم واليأس؟ وعندما نسأله عما يود أن يحصل عليه، دائمًا ما يقول، "أريد أن أحصل على حريتي، ما زلت لاجئًا حتى الآن، فهل سأمسي سجينًا أيضًا؟"

فريق أطباء بلا حدود للصحة النفسية في ساموس نشهد يوميًا تردي الصحة النفسية والجسدية للأشخاص الّذين يعانون بشكل مباشر من سياسات الهجرة المشددة التي تفرضها أوروبا. ومع افتتاح مخيم الاعتقال هذا، ستتغير هوية اللاجئين الجماعية وسيتراجع تقديرهم لذاتهم، كما ستتزعزع صورتهم، وسيجردون من كرامتهم.
أنشطة أطباء بلا حدود في اليونان

إن حالة عدم اليقين والاستخفاف بحياة الناس، وغياب الحماية الفعالة كلها عوامل تثير تساؤلات عديدة لا تنجح السلطات اليونانية والأوروبية في الإجابة عنها. لكن ما هي تداعيات هذا كله؟ إن وضع المرضى يتدهور بشكل يومي بسبب أعراض الاكتئاب والتوتر المتزايدة. 

فيليسيتي*، هي مريضة في عيادة الطب النفسي منذ فبراير/ شباط 2021. خضعت فيليسيتي للختان وتزوجت قسرًا وهي في الرابعة عشر من عمرها، كما تحملت عنفًا جسديًا وجنسيًا استمر لسنوات من قبل زوجها الّذي يكبرها بـ 30 عامًا. إنها ضحية للاتجار بالبشر وتسكن في ساموس منذ عامين.

ومع أنّه يعترف بحق اللجوء لضحايا الاتجار بالبشر، رفض طلبها باللجوء مرتين حتى الآن، ما يمنعها من الاستفادة من الخدمات الأساسية التي توفّر داخل المخيم، كالحصول على الطعام. مرت أربعة أشهر وهي تنتظر ردًّا على طلب اللجوء الجديد الّذي قدمته، وتتساءل بحق، "هل سأموت جوعًا؟"

أمّا بالنسبة للأشخاص الّذين عانوا الأمرين من سياسات الهجرة العنيفة، فيشكل افتتاح هذا المركز نقطة "نهاية"، إذ سينتهي بحثهم عن معنى للحياة ومحاولات الصبر على وضعهم وعدم تمتعهم بأبسط الحريات. كما ستنتهي جميع فرص ممارسة الأنشطة "الطبيعية" كالتنزه على الشاطئ أو اصطحاب الأطفال إلى الساحة أو الذهاب إلى المتجر في المدينة.

لن نتمكن من مساعدة هؤلاء الأشخاص، بل سنراوح مكاننا ونعلّم مرضانا كيف يمكنهم أن يبقوا على قيد الحياة. لا نعلّمهم كيف يمكنهم مواجهة جروحهم أو معالجتها، بل سنساعدهم في البقاء على قيد الحياة فحسب.

إننا نشعر بالخجل من أوروبا والمبادئ التي تزعم التمتع بها، لا سيما أنها لا تطبّق هذه المبادئ على أي من مرضانا في ساموس. وفي هذا الصدد، لا يسعنا إلا أن نتساءل كم يمكن للإرادة السياسية واحترام الكرامة الإنسانية تسهيل تغيير النهج المعتمد وإعطاء معنى لحياة مئات الأشخاص الّذين يبحثون عن الحماية الدولية في أوروبا.

وفي خضم عملنا كاختصاصيين نفسيين، نستمع كل يوم للرحلة الفريدة التي يشاركها السكان ونوقر قدرتهم على التأقلم والصمود، ونسعى لتوفير حيز آمن يمكّنهم من الاعتماد على أشخاص ومشاركة خوفهم وتخوفاتهم حول ما حصل في السابق وما يخبئه المستقبل.

لكن مع مواصلة ارتكاب الأخطاء ذاتها واعتماد السياسات التي أدت بالأصل إلى هذه المعاناة، لن نتمكن من مساعدة هؤلاء الأشخاص، بل سنراوح مكاننا ونعلّم مرضانا كيف يمكنهم أن يبقوا على قيد الحياة. لا نعلّمهم كيف يمكنهم مواجهة جروحهم أو معالجتها، بل سنساعدهم في البقاء على قيد الحياة فحسب.

لا نستطيع أن نعالج المرضى بشكل فعال إلا إذا أمنت أوروبا واليونان بدائل مناسبة للمخيمات. هذا ولا بد من تغيير إجراءات الهجرة لتصبح إجراءات عادلة تحترم الإنسان، كما يجب تأمين رعاية صحية مناسبة ومواتية لاحتياجات الأشخاص الّذين يفرون من العنف والنزاع والصدمات.

*تمّ تغيير الإسم للمحافظة على الخصوصية

إيفا بابايوانو وإيفا بتراكي وبيتي سيافاكا هن أخصائيات نفسيات يشكلن فريق أطباء بلا حدود للصحة النفسية على جزيرة ساموس في اليونان.

 

المقال التالي
الهجرة عبر البحر الأبيض المتوسط
تحديث حول مشروع 14 مارس/آذار 2022