في ليلة 14 مارس/آذار، اجتاح إعصار إيداي مدينة بيرا الساحلية في موزمبيق والمناطق المحيطة بها واستمر حتى 15 مارس/آذار. وأسفرت الرياح العاتية والفيضانات عن مقتل 602 شخص على الأقل في موزمبيق وخلّفت أعداد هائلة من الجرحى وألحقت أضرار جسيمة بآلاف المنازل والمدارس والمراكز الصحيّة، علاوةً على البنية التحتية الأساسيّة. كما شرّد الإعصار الكثير من العائلات التي حُرمت من المأوى والمياه النظيفة والكهرباء والغذاء.
وبينما بدأت تشتدّ فوق المحيط شرق موزمبيق حدّة العاصفة التي تحوّلت بعد أيّام إلى إعصار إيداي الذي ضرب اليابسة، كان فريق أطبّاء بلا حدود في مدينة بيرا منهمكًا في الاستعداد للأسوأ. فوُضعت الأدوية على رفوف عالية كي لا تفسدها مياه الفيضانات، ووُضعت كذلك أكياس الرمل حول حاويات الإمدادات لإبقائها بأمان وجافة. وتمّ تحضير الصيدلية والمخزن والمكاتب وأماكن الإقامة تحسبًا لأي طارئ.
ولم تنتشر الأخبار عن الدمار سوى بعد مضي أيام، عندما تمّ تصليح خدمة الهاتف المحمول جزئيًا. وبالتالي، لم تبدأ سوى آنذاك فرق أطبّاء بلا حدود بتلقي الرسائل التي بعثها الزملاء خلال الإعصار والتي أفادت أن أحد الموظّفين أمضى الليلة على طاولة بلاستيكيّة برفقة كافة أفراد عائلته بعد أن اجتاحت المياه منزلهم، وأن منزل موظّفة أخرى طار بأكمله، في حين علق موظّف ثالث في العاصمة مابوتو وخشي أن تكون عائلتة بأكملها فارقت الحياة في مدينة بيرا.
وما أن أُعيد فتح المطار في بيرا في 16 مارس/آذار، حتى أرسلت المنظّمة فريق طوارئ من مابوتو للاطمئنان على الموظّفين وتقييم احتياجات المجتمع المحلي. وسرعان ما تم إرسال المزيد من الموظّفين اللوجستيّين والطبيّين والإمدادات من مابوتو وبروكسل ودبي.
مخاوف من تفشي وباء الكوليرا على نطاق واسع
وفي الوقت الذي تمّ فيه الإعلان رسميًا عن تفشي وباء الكوليرا في بيرا في 27 مارس/آذار، كانت منظّمة أطباء بلا حدود ووزارة الصحة في طور العمل على بناء ثلاثة مراكز لعلاج الكوليرا بسعة إجمالية قدرها 350 سريرًا، تُضاف إلى وحدتَي علاج الكوليرا المُستخدمَتن في ذاك الوقت.
وتمّ بعد ذلك إنشاء وحدات صغيرة في بلدة بوزي البعيدة وفي بلدات دوندو ومافامبيسي وماتوا وتيكا، على الطريق بين مدينة بيرا ومدينة شيمويو الداخلية. ولم تُصمَّم هذه المراكز لتوفير الرعاية للمرضى المصابين فقط، بل تم تجهيزها بحيث تتمكّن من استيعاب الزيادة المحتملة في أعداد المرضى المصابين بالكوليرا.
وفي هذا السياق، تقول منسّقة الطوارئ في أطبّاء بلا حدود أنجا وولز، "خططنا مع وزارة الصحة لتوفير 350 سريرًا على الأقل وللعمل على الوصول إلى 1,000 سريرٍ إن دعت الحاجة. توجّب علينا الاستعداد للأسوأ مع العلم أنّنا إن أنجزنا الأمور بالطريقة الصحيحة وبالتعاون مع المجتمع المحلي، قد لا نشهد الأسوأ بتاتًا".
في الواقع، عالج الفريق المؤلّف من موظّفي منظّمة أطبّاء بلا حدود ووزارة الصحة أكثر من 3,400 مريضٍ مصاب بالكوليرا في المنطقة المتضرّرة جرّاء الفيضانات.
لسنا جاهزين لنقول بأنّنا تغلبنا على تفشي الكوليرا لأنّنا ما زلنا نستقبل المرضى. بفضل حملة التلقيح والاستجابة المجتمعية الهائلة، نظن بأنّنا سنتمكّن عمّا قريب من السيطرة على هذا التفشي.أنجا وولز، منسّقة الطوارئ في أطبّاء بلا حدود
الصمود بعد شهر على انتهاء الإعصار
اليوم، بعد مضي شهر على انتهاء الإعصار، عادت الحياة من نواحي عديدة إلى سابق عهدها في مدينة بيرا. ففي بعض الأحياء، وحدها بعض قطع بلاط السطوح غير محكم التثبيت والأشجار المجرّدة من أوراقها تُجسّد عامل التذكير الوحيد بإعصار إيداي الذي ضرب المدينة. ومع ذلك، في أرجاء أخرى، ولا سيما في المستوطنات غير الرسميّة المنتشرة في المدينة، تبقى المنازل مدمّرة بالكامل وغير ملائمة للسكن، في حين يكافح السكان لإيجاد الغذاء والمأوى ويعجزون عن الحصول على الرعاية الصحيّة والخدمات الأخرى.
وتقول أنجا وولز، "لسنا جاهزين لنقول بأنّنا تغلبنا على تفشي الكوليرا لأنّنا ما زلنا نستقبل المرضى. بناءً على ما نراه، فإنّ عدد حالات الكوليرا المشتبه فيها يسير بالاتجاه الصحيح. بفضل حملة التطعيم والاستجابة المجتمعية الهائلة، نظن بأنّنا سنتمكّن عمّا قريب من السيطرة على هذا التفشي".
ومع ذلك، لا وقت بتاتًا للتهاون بما أن حالات كوليرا جديدة ما زالت تظهر تباعًا. أمّا خارج مدينة بيرا، فتعالج المنظّمة المرضى في وحدة من 20 سريرًا تم إنشاؤها لمعالجة مرضى الكوليرا في كل من دوندو وتيكا، وفي مرفق من 12 سريرًا في بوزي. زدّ على ذلك، جهّزت المنظّمة وحدتَيّ علاج في ماتوا ومافامبيسي في حال حصول أي تفشي للوباء هناك.
وعلاوةً على ذلك، تُقدّم المنظّمة الدعم الوجستي والتقني والتخطيط إلى وزارة الصحة من أجل حملات التطعيم في بيرا ودوندو وناماتاندا وبوزي. وكانت المنظّمة مسؤولة عن المساعدة في ضمان حفظ الأدوية ونقلها بالطريقة الصحيحة والحرص على وصولها إلى مواقع التطعيم في الوقت المحدّد وعلى امتلاك الفرق كل ما تحتاج إليه. وتمّ حتى الآن تطعيم حوالى 750,000 شخصٍ.
أنشطة أطباء بلا حدود خلال الاستجابة الطارئة عقب إعصار إيداي:
750,000
750,
7,500
7,5
5,000
5,
استجابة تتمحور حول المجتمع
يُعتبر العمل مع المجتمع المحلي في حالات تفشي الأمراض عنصرًا أساسيًّا للغاية. في بيرا، تطرق فرق التوعية الصحيّة التابعة للمنظّمة بابًا تلو الآخر لتُخبر الناس كيف يحمون أنفسهم من الكوليرا وكيف يمكنهم الحصول على الرعاية في حال أُصيبوا بالمرض.
ويقول غابريال سانتي، "بعد كارثة من هذا الحجم، لا تُعتبر التوعية الصحيّة استراتيجية جيدة فحسب، بل هي أيضًا سلوك حسن". ويُضيف قائلًا، "أردنا أن نُري المجتمع المحلي أنّنا هنا ونبحث عن وسائل لمساعدته بعد العاصفة".
وتنتهز فرق المجتمع المحلي الفرصة أيضًا لتنشئ نظام إشراف قادر على اكتشاف حالات الملاريا وسوء التغذية بسرعة، بما أنّ هذه الحالات قد تُضحي قضية خطيرة في الأسابيع والأشهر القادمة نظرًا إلى كمية المياه الكبيرة الراكدة وتلف المحاصل نتيجة إعصار إيداي. فعلى سبيل المثال، تم الإبلاغ عن زيادة في عدد المرضى الذين يعانون من الملاريا في ناماتاندا. ولهذا، سبق وبدأت المنظّمة العمل على إجراء تقييمات بشأن الأمن الغذائي وتوزيع الناموسيات ومستلزمات النظافة في القرى والبلدات التي يصعب الوصول إليها في جميع أنحاء المنطقة المتأثّرة بالفيضانات.
بعيدًا عن دمار مدينة بيرا
تضرّرت القرى والبلدات الساحلية في مقاطعتَي مانيكا وسوفالا (والتي تشمل بيرا) بشدة من الفيضانات والرياح التي اجتاحت المنطقة لعدة أسابيع قبل أن تتطوّر وتتحوّل إلى إعصار إيداي.
في بوزي، جنوب مدينة بيرا، اجتاحت المدينة مياه الفيضانات التي بلغ ارتفاعها أكثر من سبعة أمتار، وتسبّبت بخسارة الكثير من السكان لكل ممتلكاتهم. وللمساعدة في التعافي، أنشأت منظّمة أطبّاء بلا حدود وحدة لعلاج الكوليرا وتُساعد على إعادة تأهيل المركز الصحي. تصبّ المنظّمة اليوم تركيزها على خدمات الأمومة التي تسمح للنساء الحوامل في بيزو بالولادة بأمان، وعلى قسم العيادات الخارجية التي توفر للمرضى الرعاية الصحيّة الروتينيّة التي تشمل علاج فيروس نقص المناعة البشري.
ووزّعت المنظّمة مستلزمات النظافة الأساسيّة على حوالى 5,000 عائلةٍ في بوزي للمساعدة في منع انتشار الأمراض المنقولة عبر المياه مثل الكوليرا. كما قدّمت فرق المنظّمة التثقيف الصحي والاستشارات إلى أفراد المجتمع المحلي لمساعدتهم على فهم كيف يمكن للصدمة الناجمة عن الإعصار والفيضانات أن تؤثّر عليهم نفسيًا.
ويقول منسّق مشروع أطبّاء بلا حدود في بوزي يواكيم جينارت، "لا يمكن إنكار أهمية الرعاية الصحيّة، ولكن الحفاظ على كرامة الناس أساسيّة أيضًا. في الأيام التي تلت توزيع الصابون ومحلول الكلور، قام أفراد كل منزل بغسل ملابسهم. وشكرتني إحدى النساء قائلةً إنها كانت عاجزة عن غسل الملابس في الأسابيع الثلاثة الفائتة التي تلت الإعصار".
أمّا غربي بيرا، حيث تُدير منظّمة أطبّاء بلا حدود أيضًا مركزًا لعلاج الكوليرا، فتُصاب عائلات بأكلمها بالمرض. ويُعتبر هذا الأمر شائعًا بما أنّ الكوليرا منتشرة في الأغذية والمياه الملوثة، ويشكّل هذا خير برهان على ضرور إنجاز المزيد من الأعمال في المجتمع المحلي لتثقيف العائلات بشأن أهمية النظافة.
وفي هذا السياق، تقول منسّقة الطوارئ في منظّمة أطبّاء بلا حدود في دوندو، إسبيرانزا سانتوس، "خلال تفشي وباء الكوليرا، يُصاب بالمرض في آن جميع أفراد العائلة الذين يتناولون الطعام معًا". وتُردف قائلةً، "لحسن الحظ أن الحالات في دوندو تتركّز في مناطق محدّدة وسبق وبدأت فرق المياه والنظافة التابعة للمنظّمة البحث عن كيفية جعل مصادر المياه آمنة".
توظّف منظّمة أطبّاء بلا حدود حاليًا أكثر من 185 موظّف دولي و800 موظّف من موزمبيق يعملون في الاستجابة الطارئة لإعصار إيداي. بالإضافة إلى ذلك، تعمل المنظّمة على مكافحة وباء فيروس نقص المناعة البشرية في موزمبيق، وأنشأت المنظّمة مشاريع لتوفير الرعاية إلى السكان الأكثر تضررًا من المرض بمن فيهم العاملين في الجنس، والرجال الذين يمارسون الجنس مع الرجال، ومتعاطي المخدرات، بالإضافة إلى المرضى في مراحل متقدّمة من الإصابة بفيروس نقص المناعة البشري أو بحالات العدوى المشتركة من السل والتهاب الكبد في كل من بيرا ومابوتا.