يشرح لنا طبيب، تدعمه منظمة أطباء بلا حدود في إحدى مناطق الغوطة الشرقية المحاصرة قرب دمشق، شراسة القصف الذي تعرّضوا له في شهر أغسطس/آب الماضي. وكانت أطباء بلا حدود قد قدمت له الدعم على مدى أكثر من سنتين ليتأقلم مع الواقع والظروف التي يمرّون فيها. وهو يشغل اليوم عدة مناصب في آن واحد: مدير المستشفى المؤقت، ومدير شؤون الموظفين وجراح وقد طلب منا عدم الكشف عن هويته لأسباب أمنية
تمكنت عاصفة رملية من وقف عنف الطائرات مؤقتا، وهو أمر لم يحققه العالم أجمع.
"الجميع على دراية بالوضع الإنساني في المناطق المحاصرة من الغوطة الشرقية. فنحن نعيش تحت الحصار منذ سنتين. ونادرا ما تصلنا أي مواد أو أدوية ولم يعد بمقدورنا تقديم العناية الطبية كما يجب. لقد شهدنا ارتفاعا في حدة العنف في شهر آب الماضي: فقد كثّف السلاح الجوي غاراته المخيفة والمجازر تتوالى كل ثلاثة أيام تقريبا. وأتت العاصفة الرملية اليوم لتخفف من هذه المعاناة نوعا ما وتمنحنا وقتا للراحة. وكأنه، لسخرية القدر، تمكنت هذه العاصفة من تحقيق ما لم يتمكن العالم برمّته تحقيقه."
"لقد تعرضنا لغارات جوّية عديدة. وقد طبق السلاح الجوّي استراتيجية "الضربة المزدوجة" إذ يشن غارة على موقع محدّد، يغيب لدقائق ثم يعود ليقصف المكان عينه مرة ثانية. وقد أدّت هذه الاستراتيجية إلى استشهاد سائقي سيارات الإسعاف والناس العزّل الذين يهرعون لنجدة المصابين، بالإضافة إلى المصابين من الغارة الأولى. معظم الإصابات التي تصلنا تحتاج لبتر أحد أعضائها، وهذا النوع من الإصابات في ازدياد مستمر. وقد نضطر أحيانا لبتر العضو المصاب بسبب فقدان المواد الطبيّة اللازمة للعلاج. وقد عالجت طفلا، فقد ذراعه كاملة جراء غارة".
شهر أغسطس/آب: الأسوأ حتى اليوم
"وقد شهدت الغوطة الشرقية مراحل سيئة خلال الحصار، لكن ما شهدناه على الصعيد الطبيّ في شهر أغسطس/آب هو الأسوأ. فنحن نستقبل مئات الإصابات والحالات. وأحيانا ننسى ما معنى كلمة نوم ليومين أو ثلاث. إنه أسوأ شهر مرّ علينا حتى اليوم."
"نحن نبذل جهدنا محاولين إنقاذ حيوات من حولنا، هدفنا هذا هو ما يدفعنا لنتابع عملنا. لن نتمكن من خرق الحصار، لذا علينا تقبُّل الواقع كما هو والمكافحة من أجل البقاء. أنا شخصيًا متمسك بالأمل، فلا بدّ أن تُفرج يوما ما"
أنت حي وسليم، إذا أنت محظوظ
"نعيش اليوم حالة من الخوف والاكتئاب الشديدين. فكلما سمع الأهالي صفير صاروخ أو هدير طيارة، تراهم يركضون في كلّ اتّجاه خائفون إمّا يعودون إلى منازلهم أو يبحثون عن ملجئ قريب. فهدير الطيارة الحربية مخيف جدا. من الصعب جدا أن أنقل الواقع بحذافيره، عليك أن تعيشه لتفهم معاناتنا. لقد عالجنا عددًا مهولاً من الإصابات خلال الشهر الماضي. وفي ظل هذه الظروف، من لم يكن ميتا أو مصابا اعتبر نفسه محظوظا."
أزمة لا مثيل لها
"كان علينا التكيّف مع الوضع الذي نعيشه طبيّا، فأصبح الاقتصاد في استخدام الأدوية ضرورة قصوى لنتمكن من متابعة عملنا".
"المصابون كثر، وتكثر معهم القصص. وصلنا من فترة طفل مصاب أظهر لي جنون الأزمة التي نمر بها. فرغم إصاباته المتعددة في كامل أنحاء جسمه الصغير، إلّا أنه لم يتوقف عن الضحك، ولم يخف كغيره من الأطفال من الحقن والإبر. ضحكته لم تفارقه أبدا. لن أنساه ما حييت".
ذقنا ذرعا من الموت والحصار – كفى!
يجب أن يعرف الجميع ما يحدث هنا. يكفينا موت وحصار، توقفوا عن إراقة الدماء وفرض المعاناة والمآسي على الغوطة الشرقية وباقي أنحاء سوريا. عدد الشهداء يزداد كل يوم، ولكن يبدو أن العالم لم يعد يبالي بمعاناتنا وحصّن نفسه ضد مأساتنا. كفى!