لا تختلف ظروف إلهام وزوجها أكرم، المواطنان اللبنانيّان من سكّان وادي خالد، شرقي عكّار، عن ظروف بحريّة وزهري، لاجئان سوريّان من حمص يعيشان في وادي خالد منذ خمس سنوات، فمعاناتهم واحدة. أكرم وزهري لا يعملان، وهما كما زوجاتهما يعانيان من عدّة أمراض مزمنة تتطلب متابعة طبيّة دائمة وشراء الأدوية دوريّاً، وهذا سبب اجتماعهم في عيادة أطباء بلا حدود للرعاية الصحيّة الأوليّة في الجندولة.
قبل افتتاح عيادة أطباء بلا حدود للرعاية الصحيّة الأولية في وادي خالد، كانت إلهام، 61 عاماً، وزوجها أكرم مضطرّان للذهاب إلى مدينة طرابلس التي تبعد حوالي 70 كلم، وذلك كل شهرين رغم أنّهما لم يكونا قادرين، في أغلب الأحيان، على تحمّل تكاليف الرحلة والاستشارة الطبيّة.
تقول إلهام: "أزور عيادة أطباء بلا حدود مع زوجي منذ 6 أشهر، هنا نخضع لفحص طبيّ دوريّ كما نحصل على الأدوية اللازمة مجّاناً. ومنذ ذلك الوقت وأنا أشعر أن حملاً ثقيلاً قد سقط عن ظهرنا. لم أعد أقلق من عدم توفّر المال لشراء الدواء كما ولم أعد بحاجة إلى قطع عشرات الكيلومترات لزيارة الطبيب، فعيادة أطباء بلا حدود تبعد 5 دقائق عن منزلنا".
كانت وادي خالد، التي تعتبر من المناطق الأكثر فقراً في لبنان، من أولى البلدات اللبنانيّة التي نزح إليها اللاجئون السوريّون مع بداية الأزمة في سوريا عام 2011، بسبب موقعها الجغرافي المحاذي للحدود مع سوريا.
وقد كان للأزمة السّوريّة تأثير كبير على اقتصاد تلك المنطقة حيث أدّى إقفال الحدود الشماليّة بين لبنان وسوريا بسبب الأوضاع الأمنيّة إلى تراجع حركة التبادل التجاري التي يعتمد عليها اقتصاد تلك المنطقة، وترافق ذلك مع تراجع فرص العمل، ما جعل الظروف المعيشيّة صعبة جدّاً على سكان تلك المنطقة من لبنانيين ولاجئين سوريّين.
وهذا ما يؤكّده بلال الحسن، 37 عاماً، وهو لاجئ سوري نزح إلى لبنان منذ أربع سنوات، أب لستّة أولاد وهو عاطل عن العمل، عندما أصيب ابنه وليد بحادث أدّى إلى جرح في وجهه، كان الخيار الأنسب له هو اصطحابه إلى عيادة أطباء بلا حدود، خصوصاً أن العيادة قريبة من مكان سكنه، كما أن وضعه الاقتصادي لا يسمح له بالذهاب إلى عيادة خاصّة أو دفع تكاليف النقل إلى خارج وادي خالد.
وهكذا فعلت زينب، السيّدة لبنانيّة ذات الـ28 عاما،ً والتي يعمل زوجها في توزيع المياه، لكن عمله متقطّع. تجدها مع ابنتيّها في غرفة الانتظار الخاصّة بقسم الأطفال في عيادة أطباء بلا حدود للرعاية الصحيّة الأوليّة في الجندولة. هي أيضاً تشرح: "عندما كانت تمرض إحدى ابنتيّ كنت أسعى إلى تأمين 20 إلى 35 دولار للذهاب إلى عيادة خاصّة، وأحياناً كثيرة لم يكن هذا المبلغ متوفّراً. وأنا سعيدة أنني بقدومي إلى هنا سأستطيع تأمين العلاج لابنتي مجّاناً. إن المال الذي يجمعه زوجي من عمله المتقطّع لا يكفي لتأمين الطعام ودفع ايجار المنزل، فكيف لنا ان نؤمّن الدواء لأولادنا؟"
استجابة للحاجات الإنسانيّة والطبيّة في منطقة وادي خالد ومحيطها، كانت منظّمة أطباء بلا حدود، قد افتتحت مع بداية العام 2017، مركزاً لرعاية الأمراض المزمنة ، ما لبث أن توسّع بعد أشهر ليصبح مركز للرعاية الصحيّة الأوليّة يقدّم خدمات رعاية الأمراض المزمنة، وطب الأطفال بالإضافة إلى خدمات الصحّة النفسيّة والتثقيف الصحّي.
ويقدّم المركز شهريّا حوالي 1,400 استشارة طبيّة في قسميّ طب الأطفال والأمراض المزمنة، بالإضافة إلى 120 استشارة نفسيّة، وذلك بهدف تسهيل وصول للفئات الأكثر حاجة من اللبنانيين واللاجئين السوريّين إلى خدمات الرعاية الصحيّة الأوليّة وإزالة العوائق التي تحول دون ذلك.
عملت منظّمة أطباء بلا حدود للمرّة الأولى في لبنان عام 1976، وذلك في إطار الاستجابة الطارئة خلال الحرب الأهليّة اللبنانيّة، وكانت تلك المهّمة الأولى لمنظّمة أطباء بلا حدود في منطقة نزاع مسلّح.