إنّ الأطفال معرضون بشكل خاص للإصابة بمرض السل. ولسوء الحظ، فإن تشخيص مرض السل لدى الأطفال معقد وقد يكون النظام العلاجي المرهق الذي يجب أن يخضعوا له مصحوبًا بالتنمر أو الشعور بالوحدة. وهنا تبرز الحاجة إلى طرق تشخيص مُكيَّفة ونهج شامل للعلاج للتغلب على المرض الذي يضعف أجسام الأطفال. لذلك، يعتبر تشخيص السل لدى الأطفال وعلاجه جزءًا من مشروع مبتكر في طاجيكستان تديره منظمة أطباء بلا حدود ووزارة الصحة والحماية الاجتماعية الطاجيكية.
وفي هذا الصدد، تقول طبيبة تعمل في منظمة أطباء بلا حدود في طاجيكستان، الدكتورة زوفليا دوسماتوفا، "تختلف أعراض الإصابة بمرض السل لدى الأطفال عن البالغين. فغالبًا ما تشبه الأعراض لدى الأطفال أمراضًا أخرى، وبالتالي قد يعالجهم أطباء الأطفال من الفيروسات أو الأمراض مثل الزكام أو التهاب الشعب الهوائية".
غياب تشخيص السل أو تشخيصه بشكل خاطئ
وتضيف، "عادة ما يكون الأطفال غير قادرين على التعبير عمّا يؤلمهم بالتحديد ووصف المشاكل التي يعانون منها. ففي الواقع قد يعاني الطفل من تضخم في الغدد الليمفاوية وما يرافقه من فقدان للوزن والشهية دون أن يلاحظ والداه ذلك".
هذا وقد يتطور مرض السل بسرعة إذا لم يتمّ تشخيصه في الوقت المناسب، ويمكن أن يؤدي إلى الوفاة في أسوأ الحالات. ومن جهة أخرى، غالبًا ما يصيب مرض السل أجزاء أخرى من الجسم غير الرئتين (مثل الغدد الليمفاوية داخل الصدر) وبالتالي يتعذّر تشخيصه بواسطة الأشعة السينية، كما يعد الفحص بالتصوير المقطعي المحوسب الذي قد يسمح باكتشاف هذا النوع من السل مكلفًا للغاية ولا يتم استخدامه كثيرًا.
تحاول أطباء بلا حدود التغلب على هذه الحواجز بالتعاون مع وزارة الصحة والحماية الاجتماعية في طاجيكستان. فقد افتتحت هذه المؤسسات في عام 2011 برنامجًا يركز على مرض السل لدى الأطفال، وبدأت بتتبّع المخالطين في الأسر وتشخيص الأطفال الذين كانوا على اتصال بأشخاص مصابين بمرض السل.
وفي هذا السياق، تقول الدكتورة دوسماتوفا، "في معظم الحالات، يلتقط الأطفال العدوى من أفراد العائلة. يقضي الأطفال الصغار الكثير من الوقت مع والديهم أو أجدادهم الذين قد يكونون مصابين بالسل وهكذا يلتقطون العدوى".
تتبع مسار مرض معدٍ
لذلك، يعد تتبع المخالطين طريقة فعالة للتعرّف على الحالات "المستترة" التي قد يصعب اكتشافها في المجتمع سواء بسبب غياب الأعراض أو عادات التماس الرعاية الصحية أو نقص التثقيف الصحي أو التعرّض للوصم، ويؤثّر ذلك على حالات السل الكامن والسل لدى الأطفال على وجه الخصوص.
وبفضل عملية تتبع المخالطين تم تشخيص إصابة طفلي سورايو بالسل، بيبسولاها البالغة من العمر ست سنوات وزين الدين البالغ من العمر ثماني سنوات، اللذان يخضعان حاليًا للعلاج.
فتقول سورايو، "كنت أعلم أن أبي مريض، ولأنني أدرك أن المرض معدٍ، تركتُ أطفالي في منزل زوجي. كنت أخشى أن يصابوا بالمرض. وبعد ثلاثة أشهر، أحضرت أطفالي إلى منزل والديّ حيث أعيش. ثم جاءت منظمة أطباء بلا حدود وأجرت أشعة سينية وفحوصات أخرى. وعندما أكّدت لي أنّ أطفالي مصابون بالمرض، لم أصدق ذلك".
مساعدة الأطفال في تلقّي التشخيص الصحيح
كما افتتحت أطباء بلا حدود غرفة مخصصة لتحفيز خروج البلغم، وهو عبارة عن مخاط سميك يسعله البالغون عندما تكون رئتاهم بحالة غير جيدة جراء المرض أو عندما تكون تالفة. وفي حين أنّ تحليل زرع البلغم يعدّ أفضل طريقة لتشخيص مرض السل، يواجه الأطفال صعوبة كبيرة في إنتاجه بأنفسهم. لذلك، يعتمد إجراء تحفيز خروج البلغم على آلة البخاخات التي يستنشق الطفل من خلالها محلول السايلين المركز، ما يؤدي إلى السعال وإنتاج البلغم.
وفي هذا الصدد، تشرح ممرضة تعمل مع أطباء بلا حدود في مستشفى الأطفال لعلاج السل في دوشانبي، زاميرا رخمونوفا، "نقوم بتحفيز خروج البلغم من أجل التشخيص وأثناء العلاج لتحديد ما إذا كان حالة الطفل معدية ويجب عليه البقاء في المستشفى أو أنها لم تعد معدية ويمكن علاجه في المنزل. فبمجرد أن يصبح لون البلغم أبيض شفافًا وتكون نتائج الاختبارات الأخرى مثل الأشعة السينية جيدة، يمكنه العودة إلى المنزل ومواصلة العلاج هناك".
دور العائلات في امتثال الأطفال للعلاج
تقول الدكتورة دوسماتوفا، "عملنا على تيسير إمكانية إكمال معظم العلاج في المنازل وبمتابعة العائلات، وهذا ما نسميه بعلاج المراقبة المباشرة من الأسرة. نزور العائلات ونشرح للأمهات أو غيرهن من مقدمي الرعاية الأدوية التي يحتاجها أطفالهم، ووقت تناولها وكيفية تخزينها".
وتتابع، "قبل اعتماد علاج المراقبة المباشرة من الأسرة، كان علينا إقناع الوالدين بأن طفلهما يجب أن يبقى في المستشفى حتى لو لم يكن مصابًا بالعدوى. كان الأمر صعبًا لأن المستشفى قد يكون بعيدًا، ولا يملك الوالدان دائمًا المال لزيارة المريض. وفي النهاية، لا أحد يرغب في البقاء في المستشفى لمدة ثلاثة أو أربعة أشهر".
وكجزء من برنامج علاج المراقبة المباشرة من الأسرة الفريد من نوعه، تجري فرق أطباء بلا حدود عادةً فحوصات طبية شهرية، وتقدّم الأدوية والغذاء والدعم النفسي لمساعدة الأطفال وعائلاتهم على تحمل العلاج.
مكافحة وصمة العار المتعلقة بمرض السل
تقول مديرة أنشطة الصحة النفسية في أطباء بلا حدود في طاجيكستان، تانيا مرشد، "يصعب على الأطفال فهم ما يحدث في أجسادهم. لماذا أصيبوا بهذا المرض؟ ماذا سيحدث لهم؟ يراودهم الكثير من الخوف، بعضه نابع من الوصمة المنتشرة حول هذا المرض".
وتضيف، "قد يؤدي أحد الأدوية إلى تغير لون جلد المريض وقد يتعرض للتنمر أو المضايقة من قبل أقرانه بشأن ذلك. وبالنسبة للمراهقين، وخاصة المراهقات، فقد يؤثر ذلك على فرصهم في الزواج، لأن العائلات الأخرى قد تقول، 'ما خطب هذه العائلة؟ لا نريدها أن تصيبنا بمرض السل'. لذلك، يمكن أن تؤثر كل هذه المشكلات على مستقبلهم ويمكن أن تسبب الحزن والقلق والتوتر والعزلة".
وللأسف عادة ما يتجاهل العديد من الأشخاص مرضى السل في طاجيكستان.
تقول ماهينا البالغة من العمر 21 عامًا، والتي تعاني من مرض السل المقاوم للأدوية المتعددة، "تقبّل بعض أصدقائي الأعزاء إصابتي بالسل، ولكن البعض الآخر لم يتقبل ذلك. فقد توقفوا عن التحدث معي عند معرفتهم بإصابتي ببكتيريا قد تسبب العدوى. شعرت بالألم قليلًا لأنهم أحبوني فقط عندما كنتُ أتمتع بصحة جيدة".
بدأنا باستخدام أنظمة علاجية جديدة للأطفال المصابين بالسل المقاوم للأدوية المتعددة والتي تتضمن أدوية جديدة تم تغيير استخدامها... مقارنة بالأدوية التي استخدمناها سابقًا، نجد فرقًا كبيرًا.د. زوفليا دوسماتوفا، طبيبة تعمل في أطباء بلا حدود في طاجيكستان
إحراز تقدم في علاج السل لدى الأطفال
كذلك يهدف مشروع أطباء بلا حدود في طاجيكستان إلى محاربة الوصمة والمعلومات المضللة والمخاوف، فمن خلال تثقيف العائلات، يمكن أن يتغير المجتمع ببطء.
فتقول سورايو، "في البداية، عندما علم جيراننا أن أطفالي مصابون بالسل، لم يسمحوا لأطفالهم باللعب معهم. قالوا لأطفالهم ألا يأتوا إلى هنا. لكنهم يفهمون الآن أن حالة أطفالي غير معدية، ويلعبون معًا. كما يخبر أطفالي الآخرين أنهم يتلقون العلاج بالأدوية".
يحتاج الأطفال المصابون بالسل إلى تناول أقراص دوائية متعددة كل يوم. فلحسن الحظ، لقد حدث تطور هائل، خصوصًا في ما يتعلّق بعلاج الأشكال المعقدة من السل على غرار السل المقاوم للأدوية المتعددة.
ففي عام 2017، طوّرت أطباء بلا حدود دليلًا إرشاديًا لتشخيص مرض السل لدى الأطفال وعلاجه في جمهورية طاجيكستان يوصي بأنظمة علاج أقصر باستخدام الأدوية الأحدث مثل الديلامانيد والبيداكويلين. كما اعتمدت وزارة الصحة الطاجيكية هذه الإرشادات التي طورتها منظمة أطباء بلا حدود، وأصبحت إحدى دولتين فقط حتى الآن في منطقة أوروبا الشرقية وآسيا الوسطى اللتين عملتا على تضمين توصيات منظمة الصحة العالمية في إرشاداتهما الوطنية.
وفي هذا السياق، تقول الدكتورة دوسماتوفا، "بدأنا باستخدام أنظمة علاجية جديدة للأطفال المصابين بالسل المقاوم للأدوية المتعددة والتي تتضمن أدوية جديدة تم تغيير استخدامها، مثل البيداكويلين أو الديلامانيد أو الكلوفازيمين، وكنا نراقب مدى فعاليتها. وقد أفضت هذه الأدوية إلى نتائج جيدة وليس لها أي آثار جانبية".
وتتابع، "مقارنة بالأدوية التي استخدمناها سابقًا، نجد فرقًا كبيرًا. ففي السابق، كان يتعين على الأطفال الحصول على حقن مؤلمة لها آثار جانبية خطيرة، مثل فقدان السمع. وتسببت الأدوية الأخرى بالغثيان والقيء أو الإسهال. أمّا الأدوية التي أوصت بها منظمة الصحة العالمية حديثًا فإما أنّها لا تسبب مثل هذه الآثار الجانبية أو أنّ آثارها الجانبية ضئيلة للغاية".
وتختم قائلة، "ساهم عملي في منظمة أطباء بلا حدود في تغيير نظرتي تجاه مرض السل لدى الأطفال من ناحية العلاج ورعاية المرضى. وأنا الآن على يقين بأنّ إجراء تتبع المخالطين وعلاج الأطفال في المنزل يحظيان بأهمية كبيرة. فمنذ أن بدأت أطباء بلا حدود العمل هنا، أرى قدرًا لا يُصدق من التقدم. وهذا يعدّ مشروعًا فريدًا من نوعه في هذه المنطقة لأننا بدأنا تشخيص الأطفال على وجه التحديد وعلاجهم".