بعد أن فر اللاجئون الروهينغا من العنف الفظيع الذي تعرضوا له في ميانمار، أصبح يتعين عليهم اليوم في بنغلاديش مواجهة أخطار جديدة تتمثل في الظروف المعيشية غير المستقرة وموسم الأمطار الوشيك ومخاوف السلامة الشخصية بعد حلول الظلام.
المخيم في حد ذاته أحد الأخطار الصحية
الظروف الصحية في المخيم مثيرة للقلق حيث ظهرت حالات مميتة من الأمراض المعدية مثل الحصبة والدفتيريا، كما أن موسم الأمطار القريب، والذي يبدأ عادة في شهر أبريل/نيسان، ينذر بخطر ظهور المزيد من حالات الإصابة بالأمراض المنقولة بالماء مثل الإسهال المائي الحاد والتيفوئيد والتهاب الكبد والملاريا وحمى الضنك.
وبسبب إزالة الغابات بالكامل ونظراً إلى تضاريس المخيمات، فإن خطر حدوث انهيارات طينية وفيضانات خلال موسم الأمطار المرتقب مرتفع للغاية، فينبغي إزالة غالبية المراحيض والآبار التي شيدت على عجل أو إعادة تأهيلها لأن الفيضانات قد تلوث مياه الشرب.
ومن المحتمل أن تغمر الأمطار الموسمية الغزيرة والرياح العاتية مناطق واسعة بالإضافة إلى تدمير الملاجئ المهلهلة، الأمر الذي قد يؤدي إلى تشريد عشرات الآلاف من جديد. في الوقت الحاضر يبدو أنه لا يوجد مكان يلجأ إليه سكان الروهينغا ليكون بمثابة مأوى لهم.
شعور الأهالي بعدم الأمان ليلاً
يعبّر الرجال والنساء في المخيم عن شعورهم بعدم الأمان ليلاً بسبب أوضاع المكان غير المستقر والازدحام والغياب شبه الكامل للإضاءة بعد حلول الظلام، إذ تتمثل الطبقة الأكثر ضعفاً بصورة خاصة في الأسر التي تعيلها النساء بالإضافة إلى النساء غير المتزوجات والأطفال غير المصحوبين بذويهم، وقد سمعت طواقم منظمة أطباء بلا حدود بوجود حالات اتجار بالبشر.
وتقول شاميمار البالغة من العمر 18 عاماً: "أشعر بالخوف الشديد ليلاً على وجه التحديد. فأنا لا أخرج وحدي عند الذهاب إلى المرحاض أو الاستحمام. لا يمكننا قفل الباب، وحتى والدي لا يستطيع النوم. أشعر وكأن شيئاً ما قد يحدث لي في أي وقت".
في عام 2017، كانت معظم النساء والفتيات اللواتي حصلن في مركز منظمة أطباء بلا حدود على الرعاية الطبية والنفسية ما بعد الاغتصاب قد تعرضن إلى سوء المعاملة في ميانمار. وقد شهدت طواقم منظمة أطباء بلا حدود في الآونة الأخيرة زيادة في عدد النساء اللواتي يطلبن العلاج من الإصابات الناجمة عن العنف الزوجي، إذ تعاني بعض النساء اللواتي يحصلن على العلاج في مراكز المنظمة من إصابات بدنية كبيرة تتطلب رعاية طبية وقبولاً في قسم المرضى المقيمين لدينا.
وتشمل بعض الإصابات التي نعاينها الكدمات والتمزقات والحروق والكسور والخنق. كما يتم تقديم خدمات استشارات الصحة النفسية لهؤلاء النساء. ولضمان وجود حل إنساني وطويل الأمد، هناك حاجة ملحة تتطلب إسكانهم في ملاجئ آمنة.
الحمل بفعل الاغتصاب
هناك حواجز هائلة أمام النساء والفتيات اللواتي يطلبن الرعاية بعد العنف الجنسي، إذ تنضوي هذه الحواجز على وصمة العار، والخزي، والخوف من الانتقام، ونقص المعلومات حول الرعاية المتاحة. وتقول زوليا، البالغة من العمر 35 عاماً، وهي إحدى أعضاء طاقم التوعية المجتمعية التابع لمنظمة أطباء بلا حدود: "لا تفهم معظم النساء اللواتي أتحدث إليهن في المجتمع أن العنف يتطلب عناية طبية".
لقد قام المركز التابع لمنظمة أطباء بلا حدود حتى الآن بمعالجة 230 امرأة نجون من العنف الجنسي، لكن نظراً لأن كثيرات لا يسعين أبداً للحصول على الرعاية الطبية، فمن المرجح أن يكون عدد الناجيات أعلى بكثير، كما يصل إلى المركز عدد كبير من النساء طلباً للعلاج الوقائي بعد التعرض للفيروس أو لمنع الحمل في حالات الطوارئ لكن بعد فوات الأوان، وغالباً ما تصل النساء اللواتي حاولن التخلص من الجنين بأنفسهن وهن في حالة نزيف أو يعانين من حالات انتان، بينما تصل إلى المركز نساء أخريات يعانين من مضاعفات الولادة دون مساعدة والولادة في ظروف غير صحية.
في بعض الأحيان، لا تستطيع النساء الحوامل بفعل الاغتصاب العودة إلى مجتمعهن قبل الولادة أو بعدها، فتحاول منظمة أطباء بلا حدود إيجاد بدائل لهؤلاء الفتيات والنساء على الرغم من أن الإمكانيات المتوفرة في المخيم محدودة للغاية، كما أن البدائل الآمنة ليست متاحة أصلاً على نطاق واسع في بنغلاديش، وتكون بنسبة أقل عندما يتعلق الأمر بنساء الروهينغا.
الضغوط اليومية
يعاني الكثير من اللاجئين من الصدمة جراء الأحداث التي تعرضوا لها، ويضاف إليها الضغوط اليومية لحياة المخيمات بما في ذلك الافتقار إلى كميات كافية من الغذاء وعدم وجود فرص لكسب العيش والخوف على الأمن الشخصي. يصل اللاجئون إلى عيادات منظمة أطباء بلا حدود وهم يحملون ذكريات عن أحداث عنف تعرضوا لها أو مصابين بصدمة أو يعانون من القلق أو الاضطراب أو الإجهاد الحاد أو الكوابيس المتكررة أو عدم القدرة على النوم، وفي حالات أشد، عدم القدرة على الاعتناء بأنفسهم أو بعائلاتهم.
ويقوم الاستشاريون في مركز منظمة أطباء بلا حدود بتقديم المساعدة للأهالي، منفردين وبصورة جماعية، بهدف الحديث عن تجاربهم ومعالجة مشاعرهم واكتساب المعرفة للتأقلم معها ليتم تقليل مستويات الإجهاد العام. ويواجه لاجئو الروهينغا حالة من الريبة إزاء سلامتهم ومستقبلهم، فهم لا يعرفون ما إذا كانت ظروفهم ستتحسن أو متى ستتحسن أو فيما إذا كانوا سيعودون إلى أوطانهم ومتى.
عبر البر والنهر والبحر
يواصل اللاجئون الروهينغا عبور الحدود قادمين من ولاية راخين في ميانمار. ووفقاً للمفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين، دخل إلى بنغلاديش في شهر فبراير/شباط وحده 3,236 وافداً جديداً ليصل العدد الإجمالي لعام 2018 إلى أكثر من 5,000 لاجئ وصلوا مؤخراً.
وتقول سوبي كاتوم، البالغة من العمر 70 عاماً: "الوضع [في ميانمار] صعب للغاية، وأصبحت مسألة الحركة بالنسبة لنا أمراً معقداً. كما أن العمل أو حتى الذهاب إلى السوق لشراء الطعام باتا أمراً مستحيلاً".
يروي اللاجئون الروهينغا الذين وصلوا مؤخراً قصصاً مروعة عن القرى التي يتم حرقها وقتل أقاربهم واستمرار العنف والتحرش والتدمير واسع النطاق للقرى وعن سبل العيش أيضاً، وتروي سوبي: "قُتل زوجي واختفى زوج ابنتي. لقد قُتل أو فُقد الكثير من الناس. آمل أن ينتهي كل هذا يوماً ما لكنني لا أعلم ما يخبئه المستقبل".