يجتمع قادة العالم هذا الأسبوع في مونتريال لتجديد التزاماتهم المالية تجاه الصندوق العالمي لمكافحة الإيدز والسّل والملاريا، الذي يعدّ أكبر وكالة دولية تكافح الأمراض الثلاثة. وعلى الرغم من تحقيق تقدّم كبير في هذا السياق، لا تزال هذه الأوبئة تتسبب في ثلاثة ملايين وفاة كل سنة. وسوف تُعتبر الإجراءات التي سيتخذها هؤلاء القادة الاختبار الأول لتصميمهم على وضع حدّ لهذه الأوبئة بحلول العام 2030 - وحجر الزاوية لتحقيق أهداف التنمية المستدامة التي تمّ اعتمادها منذ سنة.
لا توجد طُرق مُختصرة لإنهاء الأوبئة. وإنما لتحقيق الأهداف، يتعيّن على الحكومات في جميع أنحاء العالم زيادة التزاماتها المالية وتحويل الاستراتيجيات القاضية بمكافحة تلك الأوبئة إلى أفعال. في الواقع، إن التقصير في تحقيق الأهداف المتواضعة التي تعهّد بها الصندوق العالمي لن تقوّض بشكل كبير التقدّم المحرز فحسب، بل ستكون مُكلفة أيضاً من الناحية المالية والإنسانية لجهة فقدان أرواح الناس.
نادراً ما تصلح الوفيات الناجمة عن فيروس نقص المناعة البشرية والسّل والملاريا لتكون عناوين رئيسيّة قويّة. فتلك الوفيات لا تولّد تغطية إعلاميّة مصوّرة عن الأشخاص الذين يحتضرون، كما هي الحال في الحروب أو الكوارث الطبيعيّة. بدلاً من ذلك، تؤدّي هذه الأمراض إلى الموت البطيء، بدون أي غضب شعبي عارم في أغلب الأحيان.
تشهد طواقم منظمة أطباء بلا حدود على الوضع القاسي في غرب ووسط أفريقيا. في هذه المنطقة، التي تستأثر بثلث مجموع الوفيّات العالميّة بمرض الإيدز، بالكاد يحصل على العلاج ربع عدد الأشخاص المتعايشين مع فيروس نقص المناعة البشرية البالغ 6.5 مليون شخص.
ومن الجدير ذكره أن واحداً من أصل أربعة أشخاص من المصابين بمرض نقص المناعة البشرية الذين يرقدون في مستشفى تابع لمنظمة أطباء بلا حدود في كينشاسا في جمهورية الكونغو الديمقراطية وصلوا الى المستشفى في حالة مرض شديد يتعذّر النجاة منه.
وفي هذا السّياق تقول الطبيبة في منظمة أطباء بلا حدود، الدّكتورة ماريا ماشاكو: "كل يوم، نرى أشخاصاً يصلون إلى عيادتنا يائسين ومعدومين، في المراحل الأخيرة من العدوى. بالنسبة للفقراء، يُعتبر التّشخيص بفيروس نقص المناعة بمثابة حكم إعدام."
وعلى الرّغم من ارتفاع معدل الحصول على العلاج بمضادات الفيروسات على المستوى العالمي، إلا أن 50 في المئة من الأشخاص المتعايشين مع مرض نقص المناعة البشرية لم يبدؤوا العلاج - ويستمر الفيروس بالانتشار. خلال السنوات العشر الماضية، ارتفعت معدلات الإصابات الجديدة في 74 بلداً
تدعو وكالات الأمم المتّحدة ومعاهد البحوث إلى تخصيص 7 مليارات دولار إضافيّة كل سنة للقضاء على وباء فيروس نقص المناعة البشريّة، لكن في الواقع انخفض التمويل من الجهات المانحة من 8.6 مليار دولار في العام 2014 إلى 7.5 مليار دولار في عام 2015
كذلك انخفض التمويل لمكافحة السّل الذي يتسبب بدوره في 1.5 مليون حالة وفاة سنوياً فضلاً عن نقص المساعدات الطارئة التي تهدّد أي تقدّم في مجال مكافحة السّل. بالمعدّل الحالي، تتوقّع شراكة دحر السّل عدم التمكّن من تحقيق أهداف التنمية المستدامة المقرّرة للعام 2030 لغاية العام 2182
وأخيراً أصبحت أدوات التشخيص والأدوية لمكافحة الأمراض المعدية الأكثر فتكاً في العالم متاحة ويجب توفيرها بأسعارٍ معقولةٍ وتسهيل الحصول عليها. ولا بدّ من استبدال العلاج القديم السام وغير الفعّال نسبياً لحالات مرض السّل المقاوم للأدوية وتسريع إمكانية الحصول عليه، حيث أن إثنين في المئة فقط من جميع المصابين بالسّل المقاوم للأدوية يحصلون على الأدوية الجديدة.
وفي حين أنّ انخفاض حالات الملاريا الجديدة بنسبة 37 في المئة بين العام 2000 و2015 يُعتبر تقدّماً، إلا أن العام الماضي سجّل حوالي 214 مليون حالة مرضية وما يقارب نصف مليون حالة وفاة في جميع أنحاء العالم
ولا تزال طواقم أطباء بلا حدود تشهد معدلات ملاريا مرتفعة بدرجة غير مقبولة في بلدان مثل جمهورية الكونغو الديمقراطية وجمهورية أفريقيا الوسطى. في الوقت ذاته، يشكّل ظهور مقاومة للمبيدات الحشرية وللأدوية المضادة للملاريا تهديداً خطيراً للمكاسب التي تم تحقيقها ضدّ المرض.
إن المكاسب ضدّ فيروس نقص المناعة البشريّة والسّل والملاريا لا تزال ضعيفةً وبدون موارد جديدة يمكن أن يتوقّف أيّ تقدّم إضافي. وعلى الرغم من هذا الواقع، انسحبت العديد من الجهات المانحة أو خفّضت التّمويل الصّحي وبالتالي من المتوقع بشكل متزايد، أن تقوم الدول الفقيرة التي تشهد مرحلة إنتقالية من وضع الدّخل المنخفض إلى المتوسط، بتمويل الرّعاية الصّحيّة بنفسها. ولكن في تلك الدول، التي تأوي غالبيّة الأشخاص المصابين بمرض فيروس نقص المناعة البشرية والسّل والملاريا، يكون الحصول على الرّعاية الصحيّة محدوداً وجائراً في كثيرٍ من الأحيان
بدون شكّ، لابدّ من زيادة الاستثمارات المالية الشاملة والمستدامة في مرض فيروس نقص المناعة البشرية والسّل والملاريا من أجل تحقيق أهداف التنمية المستدامة المتّفق عليها عالمياً. وبالتالي، يجب أن يركّز العالم على تلبية الاحتياجات الحاليّة الطارئة كخطوة أولى ضرورية.
لقد ساعد الصندوق العالمي في تمكين الحكومات والوكالات الصحيّة ومؤسسات المجتمع المدني في تنفيذ الاستراتيجيات المبتكرة ودفع ثمن الأدوية ومستحقات العاملين في مجال الصّحة. ومن خلال العمل جنباً إلى جنب مع برامجها المعتمدة، شهدت فرق منظمة أطباء بلا حدود تقدماً ملموساً وحيوياً وعلى هذا التقدم أن يستمر.
يجب على الدول الغنية أن تكثّف جهودها وتدعم أقوالها بالأفعال، فالهدف النّهائي ليس مالياً بل هو منع ما يمكن منعه: المعاناة غير المبرّرة وخسائر الأرواح غير المقبولة.