بعد مرور عام ونصف العام على بداية النزاع في السودان، مازال اللاجئون يفرون إلى شرق تشاد بحثًا عن الأمان، حيث يصلون إلى المخيمات في ظروف مزرية، وحيث يعدّ الوصول إلى المياه النظيفة والصرف الصحي ومرافق الرعاية الصحية محدودًا. التقينا عزيز ويوسف وسلوى وأمينة لسماع قصصهم عن الفرار من منطقة دارفور في السودان والبقاء على قيد الحياة في شرق تشاد.
عزيز آدم، نازح من ولاية غرب دارفور
عائلتي غير مكتملة هنا. نحن سبعة إخوة وأخوات أمي وأبي... مجموعنا تسعة أفراد. لكنّ الحرب فرقتنا. نجح بعض أفراد عائلتي في الخروج من غرب دارفور، لكن البقية لم ينضمّوا إلينا بعد.
هربنا في حالةٍ من الذعر، مرعوبين من الحرب. ولم يكن لدينا متسع من الوقت لأخذ أي شيء معنا، حتى أن بعضنا وصل حافي القدمين.
سرنا على الأقدام مسافة 20 كيلومترًا للوصول إلى هنا. وقد واجهنا على طول الطريق مجموعات من قوات الدعم السريع هدّدتنا. واتُّهم بعض الشباب الذين كانوا يسيرون معنا بالانتماء إلى قبيلة المساليت. فاعتُقلوا وقُتلوا. ظننّا بأننا سنموت أيضًا. لم أكن أتخيل بأننا سننجو.
لا تفارقني ذكريات هروبنا. وعندما أفكّر في المآسي والألم الذي خلّفناه وراءنا، فلا يمكنني العودة.
لكنني أسمع بعض الناس يقولون بأنهم يفضلون العودة إلى الحرب في السودان على تحمل الجحيم الذي نواجهه في المخيم.
لقد وصلت إلى هنا في يوليو/تموز من العام الماضي، أي مرّ عام تقريبًا، وأنا الآن في الرابعة والعشرين من عمري. وضعنا مأساوي. فقد تركنا وضعًا صعبًا لنجد أنفسنا في وضع أسوأ.
نفتقر إلى أساسيات الحياة من مياهٍ للشرب وطعام. وقد مرت أربعة أو خمسة أشهر في مخيم إريديمي منذ آخر مرة تلقينا فيها أية مساعدات غذائية.
والآن، أنا وعائلتي يائسون. فنحن بحاجةٍ إلى التعليم والرعاية الصحية ومستقبلٍ أفضل. لكنّ الواقع الذي نعيشه كئيب. أشعر بأنني عالقٌ بين السودان التي لا أعرف مستقبلها وتشاد التي لا أنتمي إليها.
سلوى صالح، نازحة من ولاية جنوب دارفور
اعتدنا أن نعيش حياة حضرية، ولكنّنا نزحنا من مدننا. ويصعب علينا قبول العيش في مخيم. حتى أن بعض أفراد عائلتي لا يزالون في السودان. يقولون دائمًا أنهم لن يغادروا لأن السودان بلدهم. نأمل جميعًا أن تنتهي الحرب قريبًا، ونريد كلّنا العودة إلى وطننا.
لقد فاجأتنا الحرب. غادرنا في عجلةٍ من أمرنا لدرجة أنه لم يسعفنا الوقت لأخذ أيّ من ممتلكاتنا المهمة أو ذكرياتنا. تركت ورائي الكثير من الأشياء الجميلة في نيالا. فقد أطفالي والدهم، وباتوا الآن أيتامًا. كان علينا أن نسافر من نيالا إلى تينة لكي نصل إلى هنا، وعادةً ما يستغرق ذلك يومين. غير أنه استغرق منّا أربعة أيام. فقد مررنا عبر مناطق القتال بين قوات الدعم السريع والقوات المسلحة السودانية. وكان الأمر مرعبًا ومرهقًا.
أنا في هذا المخيم منذ سنة وشهرين. والعيش هنا أشبه بالعيش في منزلٍ بلا جدران أو سياج. ولا نزال نعاني من نقص الطعام ومياه الشرب النظيفة والتعليم المناسب والمستشفيات والرعاية الطبية.
كنّا نذهب قبل الحرب إلى أشغالنا ثم نعود إلى أطفالنا في المنزل. كان بإمكاننا تلبية احتياجاتنا بسهولة. لكنّ الحياة أصبحت أصعب بكثير منذ بدء الحرب. آمل أن يأتي اليوم الذي تعود فيه الحياة إلى طبيعتها، عندما نجد الأمن والاستقرار. عندما يتمكن أطفالنا من العودة إلى مدارسهم.
أتمنى مستقبلًا أفضل لأطفالي. وعندما تنتهي الحرب في السودان، أحلم بأن أحظى بفرصة السفر وإكمال تعليمي وتعلّم لغاتٍ جديدة وإيجاد وظيفة. أريد أن أتمكن من إعالة أطفالي ودعم أسرتي.
يوسف محمد، نازح من ولاية شمال دارفور
لا أكفُّ عن التفكير، وهو ما يُصَعّب عليّ النوم. عائلتي بعيدة عني، والحرب مستمرةٌ وتجلب معها كلّ يومٍ أنباء عن سقوط المزيد من القتلى. لديّ زوجة وطفلان، صبي وبنت، لكنّهم جميعًا في كبكابية التي تبعد حوالي 156 كيلومترًا غرب الفاشر.
أقيم هنا منذ حوالي ثمانية أشهر، وأنا في الأصل من شمال دارفور، وعمري الآن 57 عامًا. جئت من أدري إلى هنا إلى إريبا في شرق تشاد، باحثًا عن عمل، لكن للأسف لم أجد عملاً. تركت عائلتي من أجل ذلك، لذا فإن الأمر صعب. زوجتي وإخوتي وأخواتي مشتّتون في أماكن مختلفة. وأطفالي خارج المدرسة منذ عام تقريبًا. لم يدرسوا منذ يونيو/حزيران الماضي. لقد دمرت الحرب كلّ شيء.
أعاني من مرض السكري منذ 12 عامًا. كنت أذهب إلى الخرطوم لتلقي العلاج قبل الحرب. وقد كنت في الخرطوم عندما اندلعت الحرب. قضيت شهرًا هناك، ثم انتقلت إلى ولاية الجزيرة لمدة خمسة أشهر قبل أن أتوجه إلى الفاشر. تعرّضت طوال الطريق للمضايقات والضرب والتهديدات والإذلال من قِبل الجماعات المسلحة.
كوني مريضًا بالسكري، فإنني أحتاج إلى رعاية طبية منتظمة، بما في ذلك فحوصات العين والكبد والكلى كل ثلاثة أشهر. ولكن منذ قدومي إلى هنا، لم أجد أياً من هذه الخدمات. فعلاج السكري إمّا مكلف للغاية أو غير متوفر في تشاد. أحتاج أيضًا إلى نظامٍ غذائيّ محدّد، لكن يصعب العثور هنا على أشياء مثل الخضروات والفواكه.
كان لديّ قبل الحرب مكتبي الخاص في السوق وكنت مديرًا لمدرسة. كنت أزرع البقوليات والسمسم والذرة، لكن الحرب عطلت كل ذلك.
إن تعليم أطفالي أهم شيء بالنسبة لي الآن، لكنّهم ما زالوا في كبكابية ولا أعرف مصيرهم. تقع أحيانًا غارات جوية، وأخشى أن يتعرضوا للقصف لأن المنطقة في حالة حرب.
تعيش أمي وأخي وأخوتي وأخواتي في شقرة، ولكن حتى هناك، لا يوجد مكانٌ في السودان بمأمنٍ من القذائف. لم أحضر معي سوى بعض الصور لأطفالي وعائلتي، بالإضافة إلى بعض المواد التعليمية على وحدات ذاكرة مجمولة "فلاش".
آمل أن أعود إلى السودان. وأريد أن يذهب أطفالي إلى المدرسة، وأن تستقر عائلتي، وأن يكون السودان أفضل مما كان عليه من قبل.
أمينة سليمان، نازحة من ولاية وسط دارفور
بدأت الحرب في زالنجي، مسقط رأسي، في 15 أبريل 2023، وهو اليوم ذاته الذي بدأت فيه الحرب في الخرطوم. ظللنا نأمل أن تضع الحرب أوزارها، لكنها لم تنتهِ. وما شهدته في زالنجي وأثناء نزوحنا لن يفارقني أبدًا. الذكريات محفورةٌ في ذهني، كما أنها تطارد أطفالنا. إذ أنهم يلعبون بالعصي، ويتظاهرون بأن لديهم أسلحة. فالأطفال يعيشون صدمة الحرب.
كنا نتوارى تحت الأسرّة لنحتمي من القصف في السودان. تلك الذكريات مؤلمة، لكننا نواجه هنا مصاعب أكبر. عمري الآن 24 عامًا، ولا أعرف إن كان لدي مستقبل. الأطفال هنا، بعضهم بعمر سنتين أو ثلاث سنوات، يستحقون أفضل من هذا.
أعيش في هذا المخيم منذ عام وشهر، منذ 4 أغسطس/آب 2023. والحياة هنا صعبة. فلم نحصل على مساعداتٍ مالية سوى خمس مرات منذ وصولنا. وهناك شحٌّ في الطعام والماء. إذ نحصل عليها عادةً كل يومين، لكن قد يطول ذلك إلى أربعة أيام في بعض الأحيان.
ما من وظائف هنا، حتى لأولئك المتعلمين منّا. ووضعنا حرج، كما أننا نواجه أزمة صحية. فلا يوجد مركزٌ صحي في المخيم ولا يوجد لدينا أطباء متخصصون في أمراض القلب أو العيون، ويعاني الكثير من الناس، بما في ذلك النساء اللواتي يحتجن إلى رعاية التوليد. ولم يكن لدى المركز الصحي في مخيمنا السابق أدوية.
نحن بحاجةٍ إلى الدعم النفسي. إذ فقد الكثير منا أفرادًا من عائلاتهم بسبب الحرب. وهناك أشخاص مفقودون أو مشتتون في جميع أنحاء السودان أو لا يزالون في دارفور. لقد مزقتنا الحرب وفصلتنا عن أحبائنا. كلّ واحد منا هنا في المخيم يفتقد شخصاً ما.
لو خُيّرت لفضّلتُ العودة إلى السودان، حتى لو كان ذلك يعني الموت هناك. سيكون ذلك أفضل من الموت في هذا المخيم.