Skip to main content
Inside Gaza - illustrations

المهمة شبه المستحيلة: إدخال الإمدادات المنقذة للحياة إلى غزة

يكاد يكون إدخال الإمدادات المنقذة للحياة إلى غزة مستحيلًا في ظلّ ما تفرضه السلطات الإسرائيلية من حصار وتأخير وقيود على المساعدات الإنسانية والإمدادات الطبية الأساسية، حسبما أفادت رئيسة برامج الطوارئ في منظمة أطباء بلا حدود ماري كارمن فينيوليس.

مكثّفات الأكسجين عبارة عن أجهزة طبية تنقي الهواء من النيتروجين فتمنح المرضى أكسجينًا نقيًا. وقد تكون الحدّ الفاصل بين الحياة والموت للأطفال المصابين بسوء التغذية الذين يعانون من فقر دم شديد، والجرحى الذي فقدوا كميات كبيرة من الدم، والمواليد الجدد الذين يواجهون صعوبات في التنفس.

ورغم كون مكثّفات الأكسجين عنصرًا لا غنى عنه لإنقاذ حياة مرضانا، إلا أننا لا نعلم متى ستصل إحداها إلى مستشفى من مستشفيات غزة في فلسطين، هذا إن وصلت.

وقد رفضت السلطات الإسرائيلية مرارًا وتكرارًا طلبات إدخال المعدات الطبية الحيوية كمكثفات الأكسجين إلى غزة، إذ أنها تسيطر بالكامل على نقاط الدخول إلى القطاع والخروج منه.

وبغياب مكثفات الأكسجين على بساطتها، تشهد فرقنا الطبية في غزة مكرهةً كيف يفارق مرضاها الحياة لأسباب يمكن تجنبها تمامًا.

MSF medical staff at Gaza burn clinic
ممرض أطباء بلا حدود محمد الحواجري ينظّم الإمدادات الطبية في عيادة العناية بالحروق وسط غزة. فلسطين، 19 أكتوبر/تشرين الأول 2023.
MSF

دعونا نلقي نظرة على خطوات إدخال المساعدات إلى غزة على أرض الواقع. فبعد وصول الإمدادات الإنسانية إلى مطار العريش في مصر، يجري تحميلها في شاحنات ثم نقلها إلى مستودعات الهلال الأحمر المصري، حيث تخضع للتفتيش على يد السلطات المصرية، ثم يتم تحميلها في شاحنات تسير بها إلى معبر رفح الحدودي. تستغرق هذه المرحلة الأولى من خمسة إلى عشرة أيام.

وفي رفح تخضع جميع الشاحنات لعملية مسح، ثم تسير إلى نقطة التفتيش الإسرائيلية على بعد نحو 50 كيلومترًا جنوبًا في نتسانا، حيث يجري تفريغها ثم تحميلها على منصات خاصة تناسب جهاز المسح، لتخضع للمسح مرة أخرى. بعدها تعود القافلة إلى رفح، حيث توافق عليها السلطات الإسرائيلية ويتم تفريغها من الشاحنات المصرية إلى أخرى فلسطينية تدخل غزة. وقد تطول هذه المرحلة أسابيعًا.

يستغرق الأمر من أربعة إلى خمسة أسابيع في المعدل منذ وصول الشحنة إلى الأراضي المصرية حتى دخولها غزة. وفي حال رُفض صنف واحد في إحدى الشحنات في نتسانا، تُرفض الشحنة بأكملها وتُعاد إلى رفح، كي تبدأ هذه الإجراءات الطويلة مجددًا.

أهل غزة هم من يدفع الثمن. ولا ييدفعه عشرات الآلاف الذين أصيبوا في الحرب فحسب، بل كل من يحتاج إلى أي رعاية طبية. ماري كارمن فينيوليس، رئيسة برامج الطوارئ مع أطباء بلا حدود

كنّا قد تقدمنا في بداية نوفمبر/تشرين الثاني 2023 بطلبٍ إلى إسرائيل لإدخال برادات وثلاجات إلى غزة، إذ لا بد منها لتخزين الأدوية واللقاحات التي تستدعي درجات حرارة منخفضة، كالأنسولين اللازم لعلاج السكري والأكسيتوسين لتقليل النزف في فترة ما بعد الولادة والساكساميثونيوم المستخدم في التخدير للحثّ على استرخاء العضلات. لكن الموافقة لم تصل إلا في شهر أبريل/نيسان، أي بعد مرور خمسة أشهر. وستصل البرادات والثلاجات إلى غزة هذا الشهر إن سارت كلّ الأمور على ما يرام.

لكن هذه المعدات ليست المواد الأساسية الوحيدة في قائمة الانتظار. فما زلنا ننتظر الموافقة على إدخال مولّدات كهربائية وأسطوانات أكسجين وأجهزة تصوير بالأمواج فوق الصوتية وأجهزة إزالة الرجفان الخارجية ومحاليل كلوريد الصوديوم الوريدية التي تعتبر أساسية في تعويض السوائل وتخفيف الأدوية... إنها قائمةٌ طويلة بقدر ما هي مفزعة.

هذا ولم يصلنا أي ردّ من الجانب الإسرائيلي على الطلب الذي قدّمناه منذ أشهر لشحن معدات أساسية تعمل بالطاقة الشمسية، منها أنظمة كهربائية مخصصة للمرافق الطبية ومضخات مياه وأنظمة لتحلية المياه. أما أنظمة الاتصالات عن طريق الأقمار الصناعية وسيارات أطباء بلا حدود التي لا غنى عنها لتأمين سلامة فرقنا ونقلها إلى المناطق التي تكون بحاجة إليها، فقد تعرضت للرفض وواجهت قيودًا وتأخيرات خطيرة.

Gaza - Al Aqsa Hospital
نساء وأطفال يحتمون في مستشفى الأقصى في غزة بانتظار تلقي المساعدة. فلسطين، 29 نوفمبر/تشرين الثاني 2023
MSF

وزعمت السلطات الإسرائيلية على موقع X (تويتر سابقًا) في 3 مارس/آذار، حيث كتبت، "لا حدود لكمية المساعدات الإنسانية التي يمكن دخولها إلى قطاع غزة"، إذ يتعارض هذا التصريح مع الواقع لدرجة منافية للعقل.

وكانت محكمة العدل الدولية قد طلبت من إسرائيل في 26 يناير/كانون الثاني ثم في 28 مارس/آذار أن تتخذ "كافة الإجراءات الضرورية والفاعلة" لضمان توفير "الخدمات الأساسية والمساعدات الإنسانية التي تمس الحاجة إليها من ماء وكهرباء ووقود وإمدادات طبية" بدون عراقيل.

لكن لا وضوح ولا ثبات بشأن ما يُسمَح بإدخاله إلى غزة، إذ يمكن لمنظمات الإغاثة أن تدخل بعض المواد تارةً، ولا تستطيع إدخالها تارةً أخرى. وقد تواجه شحنة بأكملها الرفض أحيانًا بسبب إحدى المواد فيها، ولكن من دون تبليغنا بالسبب، فيستحيل علينا تعديل الشحنات المقبلة بناءً على ذلك.

حتى الآن، نجحنا في إدخال ستّ شحنات بحجم 120 طنًا مكعّبًا من الإمدادات الأساسية، وقد وصلت إلى غزة محملةً في 53 شاحنة. ونرغب في إدخال أكثر من هذا بكثير، لكن متاهات الإجراءات التي تفرضها السلطات الإسرائيلية تعيقنا عن ذلك.

فقد آلاف الناس حياتهم وسيلقى غيرهم حتفه أيضًا بسبب غياب الرعاية الطبية. هؤلاء هم ’المقتولون بصمت‘ في غزة نتيجةً للحرمان المتعمَّد. ماري كارمن فينيوليس، رئيسة برامج الطوارئ مع أطباء بلا حدود

كانت غزة تستقبل قبل الحرب الحالية نحو 500 شاحنة من الإمدادات كل يوم، لكن هذا العدد انخفض إلى أقل من 100 شاحنة يوميًا بحلول فبراير/شباط 2024 بحسب التقارير.

وهذا النقص الفادح في أساسيات الحياة الذي تواجهه غزة يتفاقم في ظل وجود معبرَين حدوديين مفتوحين فقط، هما معبر رفح ومعبر كرم أبو سالم، وكلاهما في جنوب القطاع. وعليه، لا تنجح سوى شاحنات قليلة من عبور نقاط التفتيش العديدة التي تواجهها شمالًا، نظرًا لغياب الأمن أو لعدم حصولها على إذن السلطات الإسرائيلية.

لهذا لا يصل إلى شمال غزة سوى كميات بسيطة جدًا من المساعدات والإمدادات الأساسية. ولا يسعنا إلا أن نخمّن حجم الأزمة الإنسانية التي تتكشف هناك لعدم قدرتنا على دخول المنطقة، علمًا أن عمليات الإنزال الجوي والممرات البحرية التي يجري الترويج لها على نطاق واسع لا تزال محدودة ومتباعدة ولا يمكن أن تعوّض عن الطرق البرية.

يتسبب منع دخول المساعدات إلى غزة بتدمير نظامها الصحي الذي لا يقدر على تلبية احتياجات الناس. وأهل غزة هم من يدفع الثمن. ولا يدفعه عشرات الآلاف الذين أصيبوا في الحرب فحسب، بل كل من يحتاج إلى أي رعاية طبية كالمصابين بالأمراض المزمنة، والنساء الحوامل المصابات بمضاعفات، والأطفال المصابون بأمراض معدية مرتبطة بالظروف المزرية التي يضطرون للعيش فيها.

فقد آلاف الناس حياتهم وسيلقى غيرهم حتفه أيضًا بسبب غياب الرعاية الطبية. هؤلاء هم ’المقتولون بصمت‘ في غزة نتيجةً للحرمان المتعمَّد.

المقال التالي
حرب غزة وإسرائيل
تحديث حول مشروع 1 نوفمبر/تشرين الثاني 2024