Skip to main content

شهادة بقلم الدكتورة ماريلا كارارا، وهي طبيبة طوارئ في مدينة صعدة

"كانت مدينة صعدة حين وصلت إليها أول مرة تتعرض لضربات جوية كل يوم، وكنا نعيش في قبو المستشفى بسبب القصف الذي كان يقع قريباً من المكان. كنا كل مرة نسمع فيها صوت انفجار نشعر بالنوافذ والأبواب وهي تهتز. وبعد مرور شهرين كانت المدينة قد دمرت تقريباً وكانت خاليةً من سكانها.

أما اليوم فالضربات الجوية تقع غالباً على بعد 20 كيلومتراً أو أكثر، باتجاه الحدود مع المملكة العربية السعودية، كما أن فرقنا لم تعد تعيش في القبو إنما انتقلت إلى منزل مجاور. عاد الناس إلى المدينة ليقيموا في مبانيها التي لا تزال قائمة، كما أن بعض المحال اقتتحت أبوابها، في حين نجد الباعة في السوق يعرضون بضائعهم من فواكه وألبسة.

أما خارج المدينة في المناطق التي تقطنها أعداد كبيرة من النازحين، فإن شروط الحياة صعبة للغاية، فالناس يقيمون في خيام صغيرة ويواجهون صعوبات في الحصول على المياه والرعاية الصحية. وقد قمنا قبل عشرة أيام بتوزيع مواد الإغاثة الأولية لبعض هؤلاء النازحين.

لقد تغير المستشفى كثيراً منذ قدومي، فنظراً للاحتياجات الطبية العاجلة للسكان زاد عدد الأسرة من 30 إلى 94 سريراً كما توسعت وحدة العناية المركزة لتضم 16 سريراً بدلاً من سبعة. وبصفتي طبيبة طوارئ متخصصة في الطب الباطني، فإنني أقضي معظم وقتي في غرفة الطوارئ وقسم الرقود الداخلي.

لا بد من الإشارة إلى أن معظم مرضانا (أكثر من 90 في المئة منهم) هم جرحى حرب أصيبوا جراء الضربات الجوية. وكانت ضربة جوية وقعت في الحادي والعشرين من يناير/كانون الثاني في قرية ضيان على بعد 22 كيلومتراً إلى الشمال الغربي من هنا قد أدت إلى مقتل وجرح العديد من الأشخاص. وبمجرد أن انطلقت عملية الإنقاذ ووصلت سيارات الإسعاف، وقعت ضربة جوية ثانية أدت إلى مقتل مزيد من الناس. قتل أحد سائقي سيارات الإسعاف التابعة لنا وكذلك قتل أربعة أو خمسة من الجرحى الذين كان ينقلهم في سيارته.

تلقينا أول المرضى في الثالثة من بعد الظهر بعد أن أقلهم بعض الأشخاص في سياراتهم الخاصة، وقالوا لنا أن هناك المزيد في طريقهم إلينا. كان المرضى البالغ عددهم خمسة أوستة في وضع خطير وبعضهم كان بحاجةٍ إلى الإنعاش.

سرعان ما باشرنا بخطة التعامل مع الإصابات الجماعية حيث أحضرنا المزيد من الطواقم والإمدادات الطبية وجهزنا الخيام خارج المستشفى لفرز الإصابات واستقبال المرضى الذين تسمح حالتهم الطبية بالبقاء خارجاً، فيما أخرجنا بعض المرضى من قسم الرقود الداخلي لإتاحة المزيد من الأسرّة، كما قمنا بافتتاح غرفة العمليات الثالثة.

وحينما وصلت الدفعة الثانية من الجرحى بعد دقائق، كان كل شيء جاهزاً. لقد كان عملاً جماعياً ناجحاً خاصةً وأننا قد مررنا بالعديد من الحالات المشابهة وأصبح أفراد طاقمنا اليوم مدركين كلٌّ لدوره بالتحديد.

كان الكثير من المرضى بحاجةٍ إلى دخول غرفة العمليات فور وصولهم، وكان لدينا أربعة جراحين، اثنان متخصصان في الجراحة العامة واثنان متخصصان في الجراحة العظمية، وجميعهم أطباء رائعون. لكن العمل يومها اتسم بالصعوبة، فبحلول السابعة مساءً كنا قد استقبلنا 41 جريحاً.

أما سائق سيارة الإسعاف الذي قتل فقد كان يعمل في المستشفى منذ وقت طويل وكان معروفاً بين الجميع. وحين بلغنا خبر الضربة الجوية على قرية ضيان، كان أول من استقل سيارة الإسعاف وانطلق لإنقاذ الناس، فقد كان هذا من طبعه. لقد كان رجلاً طيباً وملتزماً بعمله ويساعد الناس على الدوام، وقد حزن الجميع لوفاته.

وبعد الهجمات التي طالت مستشفى حيدان في أكتوبر/تشرين الأول، وعلى مستشفى شعارة في يناير/كانون الثاني، انخفضت أعداد المرضى إذ كان الناس خائفين من أن يُستهدفوا، لكن بعد مرور أسابيع بدأ الناس بالعودة. وإضافةً إلى جرحى الحرب كنا نرى أشخاصاً يعانون من أمراض مزمنة ونشرف على الولادات في جناح الأمومة كما كنا نستقبل مزيداً من النساء في قسم رعاية الحوامل والتخطيط الأسري، ولهذا زدنا عدد القابلات لدينا.

رغم قسوة الظروف وصعوبة العمل إلا أنني مسرورة بالعمل هنا، فشعب اليمن أناسٌ في غاية اللطف ويقدرون تماماً المساعدات التي نقدمها لهم، لكن وفي المقابل، نسعى إلى بذل كل ما استطعنا من أجلهم.

المقال التالي
اليمن
بيان صحفي 25 يناير/كانون الثاني 2016