يركز عمل إرنستينا ريبيتو في الشرق الأوسط على مقاومة المضادات الحيوية وتأثيرها على مشاريع منظّمة أطبّاء بلا حدود في جميع أنحاء العالم.
وتقدّم إرنستينا في شرق الموصل ومناطق أخرى التوصيات بشأن العلاجات للمرضى المصابين بالعدوى المقاومة للأدوية المتعدّدة، التي تتمثل بحالات العدوى التي لا تستجيب للعلاج بالأدوية الشائعة الاستعمال.
هل تُعتبر مقاومة المضادات الحيوية ظاهرة جديدة؟ ولماذا أصبحت مسألة صحيّة غاية في الأهمية؟
مقاومة المضادات الحيوية آخذة في الارتفاع في جميع أنحاء العالم ولكنّها لا تُعتبر ظاهرة جديدة. إن ألقينا نظرةً على تاريخ اكتشاف المضادات الحيوية، نجد أن أول حالة مقاومة لمضاد حيوي حصلت منذ حوالى 100 عام!
تحصل المقاومة عندما تجد البكتيريا في أجسامنا طرقًا للبقاء على قيد الحياة ولمقاومة المضادات الحيوية الجديدة – وهي عملية طبيعية ولا يمكن تجنبها. ويتجسّد السبب الكامن خلف تنامي هذه المسألة الآن في قيام هذه البكتيريا على مر الوقت بتطوير المقاومة وتشارك آليات المقاومة الخاصة بها مع بعضها البعض، ما يعزّز بالتالي هذه الظاهرة. وبشكل عمليّ، يعني ما سبق أنه يصبح أشد صعوبةً على الأطبّاء إيجاد خيارات علاجية فعّالة من المضادات الحيوية المتوفرة.
يحاول الباحثون والعلماء تطوير مضادات حيوية جديدة ولكن الأمر يتطلّب الوقت، ويستغرق ذلك وقتًا أطول بكثير ممّا تحتاج إليه البكتيريا لتطوير آليات مقاومة جديدة. ويهدّد ذلك قدرتنا على معالجة حتى الأمراض المعدية الشائعة مثل التهابات الجهاز التنفسي العلوي والجروح المصابة بالعدوى. ومن دون اتّخاذ الإجراءات العاجلة وإجراء التغييرات، قد تصبح حالات العدوى الشائعة والإصابات الطفيفة مستعصية ومميتة مجددًا.
لماذا تُشكّل مقاومة المضادات الحيوية مشكلةً في الشرق الأوسط؟ وماذا تفعل منظّمة أطبّاء بلا حدود حيال هذه المسألة؟
تتسبّب عدّة عوامل بظهور مقاومة المضادات الحيوية. في حين يشكّل الاستخدام غير المنظّم للمضادات الحيوية بدون وصفة طبيّة أحد العوامل، تبرز عوامل متعدّدة أخرى منها على سبيل الذكر لا الحصر الممارسات غير السليمة لمكافحة العدوى، والوصف العشوائي العقاقير، وإمدادات المضادات الحيوية ذات النوعية الرديئة، والافتقار إلى أدوات التشخيص والمراقبة المناسبة، والتوعية غير الكافية للمرضى من قبل الأطبّاء. والكثير من هذه العوامل متواجدة في الشرق الأوسط في العقود الأخيرة.
تُدير منظّمة أطبّاء بلا حدود مشاريع متعددة في منطقة الشرق الأوسط بدءًا من مشاريع الرعاية الصحيّة الأساسيّة (بما في ذلك رعاية الأطفال، والرعاية الصحيّة الجنسيّة والإنجابيّة، ورعاية الأمراض غير السارية، إلخ.) وصولًا إلى مشاريع الرعاية الصحيّة المتخصّصة (خصوصاً مشاريع الجراحة التقويميّة للمضاعفات المزمنة نتيجة الإصابات البالغة الناجمة عن الحروب). وفي مشاريع الرعاية الصحيّة المتخصّصة، تُعاين المنظّمة الكثير من المرضى الذين يعانون من العدوى المقاومة للأدوية المتعدّدة. ولتحسين مستوى رعايتهم، نحن نحرص على اعتماد التدابير الخاصة بمعايير الوقاية من العدوى ومكافحتها، وتنفيذ الإشراف المنظّم على المضادات الحيوية، واستمرار تثقيف المرضى وتوفير الاستشارات لهم، وإتاحة الحصول على التشخيص الميكروبيولجي ذي النوعية الجيدة في مرافق المنظّمة.
عندما افتتحت منظّمة أطبّاء بلا حدود مستشفى في شرق الموصل، هل تفاجأتِ بعدد المرضى الذين يعانون من مقاومة المضادات الحيوية؟
افتتحنا مستشفى الرعاية الشاملة ما بعد الجراحة التابع للمنظّمة في شرق الموصل في أبريل/نيسان 2018. خلال الأشهر الثمانية الأولى، كان حوالى 40% من المرضى الذين استقبلهم المستشفى مصابين بعدوى، وبشكل رئيسي التهاب العظم والنقي والجروح المصابة بالعدوى المزمنة. ومن بين البكتيريا التي تم عزلها، أظهرت الغالبية العظمى نمطًا من المقاومة للأدوية المتعدّدة، ما قلّص تلقائيًا الخيارات العلاجيّة المتاحة.
واضطررنا إلى استخدام المضادات الحيوية التي تُحقن عبر الوريد، ما جعل رعاية هؤلاء المرضى في العيادات الخارجية صعبًا للغاية. ولذلك، نحن نعتمد تدابير محدّدة للوقاية من العدوى ومكافحتها وننفّذ أنشطة تثقيفيّة متكاملة في حزمات الرعاية المخصّصة للمرضى. وفي الواقع، كنا نتوقّع استقبال المرضى الذين يعانون من المقاومة للأدوية المتعدّدة هنا، ولكن الأعداد التي شهدنا عليها حتى الآن تجاوزت توقعاتنا الأساسيّة وهو أمر مثير للقلق."
ما هي تبعات مقاومة المضادات الحيوية على علاج المريض؟
تتوفر أمام مريض مصاب بعدوى مقاومة للمضادات الحيوية وبالأخص عدوى مقاومة للأدوية المتعدّدة، عدد أقل من الخيارات العلاجيّة بالمضادات الحيوية، وعادةً ما تكون هذه الخيارات أكثر تكلفة ومتوفرة في الغالب كأدوية تُحقن عبر الوريد. ولا تستطيع كل البلدان أو المستشفيات الحصول على "أحدث جيل" من المضادات الحيوية. والتحديات في الحصول على هذه المضادات الحيوية أكثر تواترًا في البلدان المنخفضة والمتوسطة الدخل، ما يُعقّد قدرتها على معالجة المرضى المحتاجين.
وبالإضافة إلى ذلك، يحتاج المرضى الذين يتم إدخالهم إلى المستشفى إلى اتّخاذ بعض الإجراءات الوقائيّة (تُعرف بـ"احتياطات العدوى من الملامسة"، فيتم عزلهم عن الآخرين) لتفادي انتقال مقاومة الأدوية المتعدّدة التي يعانون منها إلى المرضى الآخرين. ولكن عزلهم يؤثّر على صحتهم النفسيّة، ولهذا السبب من المهم جدًا أن يفهموا ما هي مقاومة المضادات الحيوية والسبب الكامن خلف حاجتهم إلى هذا العلاج. تبذل فرق الصحة النفسيّة والتوعية الصحيّة قصارى جهدها لمساعدة هؤلاء المرضى على التأقلم."
يجب ألا ننتظر فوات الأوان حتى نتصدى لهذا التحدّي الصحي الرئيسيّ.إرنستينا ريبيتو، مستشارة الأمراض المعدية في منظّمة أطبّاء بلا حدود
ما هي أفضل الطرق لمنع حصول مقاومة المضادات الحيوية؟
من الممكن اتّخاذ بعض الخطوات لمنع حصول مقاومة المضادات الحيوية أو الحدّ منها على كل مستوى. نوصي مثلًا دائمًا المرضى باستخدام المضادات الحيوية فقط عندما يصفها مهني صحي لهم وألا يتشاركوا أو يستخدموا بقايا المضادات الحيوية. نشدّد كذلك على أهمية اتّباع قواعد النظافة الأساسيّة (غسل اليدين، وتغطية الفم عند السعال، إلخ.) – سواء كان الشخص مريضًا أو مهنيًا صحيًا. يتوجّب على الموظفين الطبيّين أيضًا أن يُخصّصوا الوقت لتثقيف المرضى بشأن كيفية تفادي العدوى، وأن يشرحوا عن مقاومة المضادات الحيوية، وكيفية تناول المضادات الحيوية بطريقة صحيحة، وعن المخاطر الناجمة عن إساءة استخدام المضادات الحيوية.
وعلى صعيد أشمل، من المهم وضع خطة عمل لمعالجة مقاومة المضادات الحيوية وتشمل: تحسين مراقبة العدوى المقاومة للمضادات الحيوية، وتعزيز السياسات والبرامج واعتماد تدابير الوقاية من العدوى ومكافحتها، وتنظيم وتشجيع الاستخدام المناسب للأدوية الجيدة والتخلص منها؛ وبشكل أعم، رفع مستوى الوعي بين السكان حول تأثير مقاومة المضادات الحيوية. كما يتوجّب على مجال الرعاية الصحيّة الاستثمار بشكل أكبر في الأبحاث وتُطوّر مضادات حيوية ولقاحات وتشخيصات وأدوات أخرى جديدة. يجب ألا ننتظر فوات الأوان حتى نتصدى لهذا التحدّي الصحي الرئيسيّ.