بوسطن/باريس - شارك المئات من المرضى المتطوعين من أربع قارات في تجربة تهدف إلى إيجاد علاجات أكثر أمانًا وفعالية وأقصر مدة لمرضى السُل المقاوم للأدوية المتعددة، وهو مرض معدٍ ينتقل عبر الهواء وأصبح مقاومًا للأدوية الأساسية. وقد قامت مجموعة من العلماء والأطباء بقيادة منظمة أطباء بلا حدود ومنظمة شركاء في الصحة ومنظمة البحث والتطوير التفاعلي بتشكيل اتحاد "لننهِ السل" الذي يُجري الدراسة الرائدة بتمويل من يونيت أيد.
بدأت هذه المرحلة الثالثة من التجربة العشوائية المضبوطة في عام 2017، وقد ضمّت 750 مريضًا مصابًا بالسل المقاوم للأدوية المتعددة في سبعة بلدان: جورجيا والهند وكازاخستان وليسوتو وباكستان وبيرو وجنوب إفريقيا. وتقارن التجربة خمسة أنظمة علاجية جديدة لعلاج السل المقاوم للأدوية المتعددة التي تحتوي على اثنين من عقاقير السل الثلاثة الجديدة التي تم تطويرها في السنوات الأخيرة، وهما البيداكويلين والديلامينيد، إلى جانب أدوية السل الفموية الأخرى. ويسمح هذا الجيل الجديد من الأدوية، الذي تم تطويره بعد قرابة 50 عامًا من عدم تطوير فئات الأدوية الجديدة المضادة لمرض السل، بتطوير علاجات أقصر مدة للسل المقاوم للأدوية المتعددة (6 أو 9 أشهر مقابل عامين)، وأكثر قابلية للتحمل، وبدون حقن.
ووفقًا لرئيس مشروع لننهِ السل التابع لمنظمة أطباء بلا حدود والباحث الرئيسي المشارك في التجربة، الدكتور لورينزو غوليلميتي، "السل عدو قديم للبشرية، ولا يزال هذا المرض من أكثر الأمراض المعدية فتكًا اليوم. والسل المقاوم للأدوية المتعددة هو النوع الأكثر فتكًا وقسوة. إن النتائج المتوقعة لهذه التجربة يمكن أن تغير حياة أكثر من 500,000 شخص يعانون من السل المقاوم للأدوية المتعددة، وقد تساعد في توفير العلاج المناسب لملايين المرضى، في القريب وفي العقود القادمة".
مع وجود بيانات جديدة واقعية تظهر أن التقدم في مكافحة السل آخذ في التراجع لأول مرة منذ أكثر من عقد، أصبحت الأدوات والعلاجات الجديدة أكثر أهمية من أي وقت مضى.د. فيليب دونيتون، المدير التنفيذي لمبادرة يونيت آيد
ستكون النتائج، التي ستصبح متاحة في عام 2023، مهمّة بالنسبة لمجموعة واسعة من المرضى المصابين بالسل المقاوم للأدوية المتعددة. ويرجع هذا إلى التنوع في مجتمع الدراسة: بينما كان جميع المرضى مصابين بالسل المقاوم للعلاج الأساسي، شمل مجتمع الدراسة أشخاصًا من مجموعة متنوعة من الخلفيات العرقية والطائفية. كما شملت الدراسة الأشخاص المصابين بأمراض مصاحبة تحدث بشكل شائع مع السل المقاوم للأدوية المتعددة مثل فيروس نقص المناعة البشري أو التهاب الكبد الفيروسي C أو مرض السكري. وغالبًا ما يتم استبعاد الأشخاص الذين يعانون من هذه الحالات من تجارب السل، مما يجعل من الصعب على الأطباء معرفة أفضل السبل لعلاج مرضاهم.
ووفقًا للمدير التنفيذي لمبادرة يونيت آيد، الدكتور فيليب دونتون، "مع وجود بيانات جديدة مثيرة للقلق من تقرير السل العالمي تظهر أن التقدم في مكافحة السل يظهر تراجعًا لأول مرة منذ أكثر من عقد، أصبحت الأدوات والعلاجات الجديدة أكثر أهمية من أي وقت مضى. إن تجربة لننهِ السل المبتكرة والتي تشمل بلداناً متعددة لن تفيد الأشخاص المصابين بالسل المقاوم للأدوية المتعددة فقط – وهي سلالة أكثر تعقيدًا ويصعب علاجها – ولكنها أيضًا ستسهم في بناء قدرات طويلة الأجل في البلدان التي تدير هذه التجربة السريرية متعددة الجوانب".
وهناك أيضًا أسباب أخرى تجعل هذه التجربة فريدة من نوعها.
أولاً، التجربة مبتكرة. إذ وافقت الهيئات التنظيمية على الأدوية الفردية – أول عقاقير جديدة لمرض السل منذ 50 عامًا – لكن كيفية الجمع بين هذه الأدوية على النحو الأمثل لم تكن معروفة. وبدلاً من اختبار أنظمة الأدوية المختلفة بالتتابع على مدى عقد أو أكثر، طبق الشركاء العشوائية التكيفية، مما زاد عدد المرضى الذين يحصلون على نظم تجريبية ذات أداء جيّد. ويسمح هذا باعتماد عينة صغير نسبيًا تضم 750 شخصاً، كما يتطلب موارد أقل، وقد يتيح تحسينات كبيرة في العلاج على مدى فترات زمنية قصيرة.
ثانياً، تم تصميم التسجيل بطريقة تسمح للجميع بالاستفادة منه، فقد تم تسجيل النساء والمراهقين في التجربة – وهي مجموعات غالبًا ما تُستبعد من التجارب السريرية في محاولة لحمايتها – للتأكد من أن الأطباء يملكون البيانات التي يحتاجون إليها على أفضل وجه لحمايتهم. كما ساعد اتحاد لننهِ السل في تدريب الموظفين في المواقع السريرية، وهو ما يتيح إمكانية الحصول على المزيد من الأبحاث والتوصيات في وقت أسرع وتوفير علاجات أفضل في المستقبل.
أخيرًا، من المهم أنه تم استكمال التسجيل على الرغم من القيود الهائلة المفروضة بسبب جائحة كوفيد-19. إذ أوقف الوباء مئات التجارب السريرية، واضطرت الجامعات والمستشفيات والمختبرات وغيرها إلى إيقاف أو إلغاء الأبحاث المتعلقة بأمراض تتراوح من السرطان إلى الأمراض النادرة. ورغم ذلك، تأقلم اتحاد لننهِ السل مع الوضع وواصل العمل.
تعد هذه التجربة السريرية جزءًا من مشروع لننهِ السل الأكبر الذي تم إطلاقه لإحداث ثورة في علاج مرضى السل المقاوم للأدوية المتعددة، وتم تسجيل نحو 2,800 مريض من 17 دولة في دراسة قائمة على الملاحظة كان نتاجها أدلة قوية على فعالية الأدوية الجديدة (أظهر 85 في المائة منها تغيراً في الزرعات خلال الأشهر الستة الأولى من العلاج) والتي دعمت زيادة القدرة على الحصول على هذه الأدوية بشكل سريع. كما تجري تجربة ثانية عشوائية ومضبوطة، تسمى لننهِ السل كيو، لدراسة نظام مدته 6-9 أشهر لعلاج أكثر أشكال السل المقاوم للأدوية المتعددة مقاومة.
بالإضافة إلى ذلك، تكمل تجربة لننهِ السل التجربة السريرية TB-PRACTECAL، التي ترعاها أيضًا منظمة أطباء بلا حدود، والتي تتضمن عقارًا جديدًا آخراً يسمى بريتومانيد لتوفير أدلة عالية الجودة على أنظمة العلاج الفموية قصيرة المدة. وفي النهاية، تتناول كلتا التجربتين الحاجة الماسة لزيادة خيارات العلاج، وإمكانية حصول نحو 500,000 شخص يصابون كل عام بالسل المقاوم للأدوية المتعددة على العلاج.