تقول وفاء محمد عبد الله، "يلازمنا الخوف ونشعر أننا على شفير الموت وهذا أمر مروّع. لقد تعرضنا للقصف بالقذائف. وتعرضت أختي لقذيفة فأصيبت إحدى عينيها. لا يمكنني أن أنسى كيف كانت تنزف. ما أن يبدأ القصف حتى نركض ونختبئ. ويختبئ أطفالي تحت البطانيات وهم في حالة من الرعب".
تعيش وفاء البالغة من العمر ثلاثين عامًا في مدينة تعز في اليمن التي يقطنها مليون شخص ويدور فيها نزاعٌ عدائي وقاسٍ منذ أكثر من ست سنوات. ومدينة تعز التي كانت تُعرف بالعاصمة الثقافية للبلاد، أمست اليوم ساحة قتال للحرب الأهلية التي تدور فيها. فقد شهدت شوارعها قتالًا مسلّحًا وتعرضت للقصف، ما خلّف وفيات وجروح حرب وصدمات نفسية وأدى إلى توقف تام للحياة الطبيعية.
مدينة ترزح تحت وطأة ست سنوات من الحرب
تقع مدينة تعز في المرتفعات الجنوبية الغربية لليمن على مقربة من ميناء مدينة المخاء في البحر الأحمر وتعتبر ثالث أكثر المدن اكتظاظًا في البلاد. وباتت المدينة مرتعًا للعنف بعد أسابيع قليلة من اندلاع النزاع في اليمن عام 2015. ومنذ ذلك الحين، يكاد لا يمر يوم إلا ويقضّ القصف والرصاص والهجمات الصاروخية والضربات الجوية مضاجع السكان في المدينة.
هذا وتسلط علامات الرصاص وآثار القذائف على المنازل وحطام المباني المنهارة الضوء على الدمار الذي خلفته الحرب بعد أن دخلت عامها السابع. وبعد سنوات من القتال العنيف، تحول خط المواجهة الّذي يقسم المدينة إلى ندبة داخلها، تمتدّ من الشرق إلى الغرب وتفصل الحوبان عن المدينة بعد أن كان حيًا من أحيائها. هذا وزُرع خط المواجهة الّذي يتوسط المدينة بالألغام، وأمسى منطقة محرّمة يحرسها القناصون على الدوام. فتحول اسم تعز من المدينة الثقافية لليمن إلى مدينة القناصين.
ويتذكر هشام الّذي يسكن في مدينة تعز حادثًا وقع فيه ضحية رصاصة قناص. ويقول في هذا الصدد، "كنت مقابل المستشفى اليمني السويدي أرافق ابنتي التي تعاني من الصرع. تركتها مع والدتها وذهبت لأقترض المال من جيراني. وعند خروجي، أطلق قناص النار علي وأصاب كتفي الأيسر. غطى الدم جسمي فحاولت أن أوقف النزيف بيدي. وفي هذه الأثناء، دست على لغم أرضي فانفجر على الفور. خسرت ساقي من جراء الانفجار. ولم يتوفر أي دعم، ولا حتى أي طرف اصطناعي أستند عليه لأمشي أو أتحرك”.
مدينة يقسمها خط مواجهة
ينعزل وسط المدينة عن باقي البلد، إذ تخضع مدينة تعز لإدارة الحكومة اليمنية المعترف بها دوليًا، بينما يقع الجزء الشمالي منها في المنطقة التي تسيطر عليها جماعة أنصار الله في محافظة تعز.
وبعد أن كانت الرحلة من تعز إلى الحوبان تستغرق عشرة دقائق قبل النزاع، باتت تستغرق من خمس إلى ست ساعات للالتفاف حول خط المواجهة. فيسافر السكان لأميال عبر الجبال ويعودون من الطريق نفسه ليصلوا إلى منطقة يرونها من على سطح منازلهم في الأيام العادية. نتيجة لذلك، تقلصت حركة السكان بشكل كبير، إذ بات السفر من حي إلى آخر مكلفًا ومرهقًا ويستهلك الكثير من الوقت.
وعلى غرار جميع المناطق في اليمن، أسفر النزاع في تعز عن تحديات اقتصادية أثقلت كاهل الشعب. فقد ارتفعت أسعار الطعام والاحتياجات الأساسية بشكل خيالي وتضاعف سعر بعضها حوالي 500 مرة منذ بداية النزاع، في حين انخفضت القدرة الشرائية للسكان. علاوة على ذلك، نادرًا ما يتلقى الموظفون الرسميون رواتبهم، لا سيما أولئك العاملين في مجال الرعاية الصحية في المستشفيات الحكومية، ما أدى إلى إقفال مرافق طبية عدّة.
ويقول أحمد، الّذي يضطر إلى السفر لأربع ساعات حول خط المواجهة مع أنه يسكن في قرية لا تبعد عن مدينة تعز سوى ثمانية كيلومترات، "أعمل كطبيب أطفال في مستشفى الثورة في تعز. ولا أتلقى راتبي بانتظام، ما اضطرني إلى أن أجد مصدر رزق آخر في مستشفى خاص في الليل. أمست أسعار الطعام وجميع السلع مرتفعة للغاية لدرجة أن الراتبين لا يكفيان لأعيش حياةً كريمة. كان الوضع جيدًا قبل الحرب وكنا نتنقل متى أردنا بكل سهولة من دون أي خوف وبتكاليف مقبولة. لكن الطرق الأساسية مقفلة الآن".
عدم القدرة على الحصول على الرعاية الصحية أو تحمل تكاليفها
لم يفلت نظام الرعاية الصحية من عواقب الحرب. فقد توقف أكثر من نصف المرافق الصحية العامة في اليمن عن العمل جزئيًا او كليًا. ووصلت بعض المرافق التي تعمل إلى شفير الانهيار، إذ تعاني من شح في الأدوية والموظفين والتمويل. وفي المقابل، لا يمكن للسكان تحمل تكاليف النظام الصحي الخاص، لا سيما أنهم يكافحون من أجل شراء الطعام.
في سياق آخر، دخلت حنان رشيد عبدو علي التي تبلغ من العمر 40 عامًا إلى جناح رعاية ما بعد العمليات الجراحية بعد وضع مولودها الثالث من خلال إجراء عملية قيصرية. أجرت حنان العملية في قسم الأمومة في مستشفى الجمهوري الّذي تدعمه أطباء بلا حدود في مدينة تعز. والجدير ذكره أن حنان أنجبت الطفلين الأولين من خلال عمليتين قيصريتين، وكانت تعلم منذ أيام حملها الأولى أنّ خضوعها لعملية جراحية هو أمرٌ حتمي.
تعيش حنان مع زوجها في عدن التي تبعد مسافة سبع ساعات عن مدينة تعز. ومع ذلك، سافرت حنان من عدن إلى تعز لتضع مولودها في مرفق تدعمه أطباء بلا حدود. لم يكن لديها خيار آخر، فليس بوسع زوجها أن يتحمل التكلفة المرتفعة للولادة القيصرية في مستشفى حكومي أو مستشفى خاص.
وفي هذا الصدد، تقول حنان، "سمعنا أن أطباء بلا حدود تساعد السكان وتقدم لهم الخدمات مجانًا. فأتيت إلى مدينة تعز لأضع مولودي. دمرت الحرب البيوت وانهارت المستشفيات والمؤسسات التعليمية. كما انقطعت الكهرباء وارتفعت أسعار المواد الغذائية من دون أن يتلقى الناس رواتبهم. من لم تقتله الحرب، قتله الجوع".
دمرت الحرب البيوت... كما انقطعت الكهرباء وارتفعت أسعار المواد الغذائية من دون أن يتلقى الناس رواتبهم. من لم تقتله الحرب، قتله الجوع.حنان راشد عبدو علي، مريضة لدى أطباء بلا حدود
أطباء بلا حدود تدعم الاحتياجات الصحية الملحة في تعز
هذا ويعتمد سكان تعز بشكل كبير على الدعم الّذي تقدمه المنظمات الإنسانية. وتدعم أطباء بلا حدود الخدمات الصحية منذ مطلع العام 2016، بعد أشهر قليلة من بداية النزاع في عام 2015.
وفي عام 2020، بعد تقييم عميق للمرافق الطبية وإجراء مناقشة مع المرضى والمجموعات المجتمعية والمحاورين الرئيسيين، وجدت أطباء بلا حدود أن خدمات الرعاية الصحية الإنجابية المتخصصة والمجانية تنضوي تحت أهم الاحتياجات الأساسية التي يجب تأمينها في مدينة تعز.
في هذا الصدد، تساعد وحدة الأمومة التي تدعمها أطباء بلا حدود في مستشفى الجمهوري في إجراء حوالي 2,350 ولادة في الشهر، وتستقبل الفرق نحو 50 طفلًا حديث الولادة في وحدة الرعاية المتخصصة للأطفال. كما تلتمس أكثر من 1,500 امرأة خدمات رعاية ما قبل الولادة وما بعدها في المستشفى كل شهر.
ويقول منسق مشروع أطباء بلا حدود، إيميليوألباسيتي، "تشدد أطباء بلا حدود على التزامها بالاستجابة إلى احتياجات الرعاية الصحية للسكان في تعز. إننا نعمل على جانبي خط المواجهة ونلبي إحدى أهم الاحتياجات في المنطقة عبر توفير الرعاية عالية الجودة للأمهات والأطفال حديثي الولادة".
إن تقوية نظام الرعاية الصحية في محافظة تعز المكتظة بالسكان تشكّل حاجةً ملحة... ندعو المنظمات الإنسانية إلى دعم مرافق الرعاية الصحية الأساسية لضمان حصول النساء على الرعاية الأساسية في مواقع قريبةٍ من منازلهن.إيميليو ألباسيتي، منسق مشروع أطباء بلا حدود
ويردف قائلًا، "إننا نستقبل مرضى من أماكن نائية وبعيدة، إذ تتحمل النساء مشقة رحلات تستغرق ساعات للوصول إلى مدية تعز والاستفادة من خدماتنا التي لا تتوفر في مواقع قريبة من منازلهم. ونظرًا للقيود المفروضة على السفر والطرقات الصعبة، لا يتمكن الكثيرون من الوصول إلى تعز أو إلى مناطق أخرى".
ويضيف، "إن تقوية نظام الرعاية الصحية في محافظة تعز المكتظة بالسكان تشكّل حاجةً ملحة. في هذا الصدد، ندعو المنظمات الإنسانية إلى دعم مرافق الرعاية الصحية الأساسية لضمان حصول النساء على الرعاية الأساسية في مواقع قريبةٍ من منازلهن".
ونظرًا لاكتظاظ مدينة تعز بالسكان، أفضى النزاع إلى أضرار كارثية على المدينة. وبما أن تعز مدينة كبيرة، شكلت مركزًا اقتصاديا في المنطقة يضم المرافق التعليمية والصحية، لم يكن لموقعها أثر سلبي على المدينة والمحافظة فحسب، بل على جميع المناطق المجاورة أيضًا.
إن الضرر الملموس في المدينة بات هائلًا من دون أي أملٍ بمستقبل أفضل. هذا وأدى النزاع الذي طال أمده إلى كارثة ألمت بالصحة النفسية للسكان بشكل عام.